ا[الجزء الخامس] الحلقة الرابعة عشرة والأخيرة

وصلت ام عمر الى كلورادو، لتجد زوج ابنتها فى انتظارها دون داليا، و عندما تساءلت عما منعها من الحضور، اخبرها انها تجرى فحوصاً دوريه بالمستشفى، و لذلك هرعت الام مع هشام الى هناك و قلبها يحدثها ان هناك مكروه
و فور وصولها الى ابنتها، بدأت داليا فى البكاء، و هى تردد: ماما، و حشتينى يا ماما، انا محتاجاكى يا امى، انا عمرى ما حسيت قد ايه بتحبينى الا بعد ما سمعت دقات قلب الجنين فى بطنى
هشام: انا اضطريت اخبى عليكى يا طنط، بس احنا حقيقى فى مشكله كبيره
الام: خير يا ابنى، خير يا حبيبة امك، فيكى ايه يا بنتى؟
لم تستطع داليا الرد، لكن هشام اجاب: داليا عندها جلطه فى الساق يا طنط، و الدكتور لازم يبدأ يديها ادويه لاذابة الجلطه و تسييل الدم
الام: طيب يا ابنى و الادويه دى فيها خطر على الجنين
تكلمت داليا من بين دموعها: مش خطر بس يا ماما، لو اخدت الادويه دى احتمال كبير جدا ان الجنين ينزل، الدكتور فهمنى كده بكل بساطه، و عاوز يمضينى على اقرار بعدم مسئوليته لو حصل اجهاض، و انا خلاص ارتبطت بالطفل ده
من ساعة ما سمعت نبض قلبه و انا حاسه انه جزء منى، اهم من رجلى و من الام الجلطه و من كل حاجه، انا فهمت كلمتك زمان يا ماما، فهمت يعنى ايه قلبى شافه قبل عينى
ارتاعت الام لسماعها ذلك الكلام، لقد كانت فرص داليا فى الحمل تتضاءل يوماً بعد يوم، و لم تتمسك هى يوماً بالبحث عن العلاج، لكنها اليوم، بعد ان حملت فعلاً اصبح كل املها فى الحياه و اكدت لها داليا ذلك الان حين قالت: انا مش حامضى على ورقه يموتوا بيها ابنى، و املى، لا يا ماما، انا قلت لهم حاستحمل الم الجلطه لحد ما الحمل يخلص .
هشام: يا داليا يا حبيبتى، الموضوع مش الام و بس، فى احتمال الجلطه دى لا قدر الله تمشى فى الدم و توصل للقلب و ساعتها اخسرك يا عمرى كله، انت عندى بكل اطفال الدنيا
داليا: خلاص يا هشام، اقطعوا رجلى، انا مش عاوزاها، بس عاوزه ابنى، خليهم يقطعوا رجلى يا هشام بس الجنين ده يفضل

--------------------------------------------------------------------------------------
بعد تلك الطلقه المدويه، صمت كل شىء، حتى صوت الموسيقى، توقف الزمن للحظات، تلفت خلالها الجميع حولهم، ليعرفوا ان كان احداً قد اصيب
فوجئوا بصوت مروه تصرخ: لالالالالا احمااااااااااااااااد
كان المصاب هو .. العريس
من ضمن عشرات بل مئات، اختارت تلك الرصاصه المحشوره فى ماسورة المسدس صدر احمد لكى تخترقه، لم يصرخ، او حتى يئن، فقط تحسس صدره بيده، ثم نظر الي كفه الغارقه فى الدماء، و العروس امامه مباشرة، تنظر اليه بعينان زائغتان
و تعلقت عيناه بمروه ثم سقط مغشياً عليه، و بعدها تكاثر المدعوون حوله
وكان اول من دفعهم بيديه حتى يصل لاحمد، هو صديقه الضابط، مصطفى، الذى اطلق الرصاصه الخاطئه، بالرغم من الصدمه و المفاجأه، نزل ليحمله على كتفه و يجرى به الى خارج الفندق كالمذعور
حتى وصل لسيارته، حمل فيها احمد و توجه الى اقرب مستشفى للفندق
و هناك، دخل احمد الى غرفة العناية المركزه
و بدأت رحلة البحث عن طبيب، اليوم عيد، و معظم الاطباء فى اجازه، و تليفوناتهم مغلفه، و اوصى الطبيب المناوب بايجاد جراح قلب و صدر .. الان
اما عن حالة عائلة احمد و كل المدعوين، حدث ولا حرج
كانت الام محموله تقريباً بعد ان عجزت ساقاها عن احتمالها، و على لسانها كلمة واحد: استرها يا رب، خليهولى يا رب، الطف بينا يا رب و الى جوارها والدة مروه تلهج بنفس الادعيه
اما والده، كان يحاول ان يبدو رابط الجأش و ان يتصل بمعارفه عله يجد جراحاً فى ذلك الوقت، لكن قلبه كانت تضطرم فيه النيران لمجرد تصور امكانية الحياه بدون احمد، ابنه، صديقه، هدية الله له، لقد انجبه بعد ان تعدى الاربعين، و كان يحلم بتلك الليله، كان يخشى ان يموت قبل ان يطمئن عليه، لكنه لم يشك لحظه ان احمد نفسه يمكن أن يتركه و .. يموت
من ان لاخر ينفض راسه و يهزها بشده يمنه و يسره ليطرد ذلك الخاطر عن راسه، و يهتف من اعماقه، املى فيك كبير يا رب، احفظه و ابقه لى و لامه، اللهم ارفع عنه البلاء و انقذه يا اله العالمين، احمد ابنى حبيبى، وهبته لى على الكبر، و ووهبته حسن الخلقه و الخلق، لا تسيئنى فيه يا كريم
اما سارة، فلم تستطع الاحتفاظ برباطة جأشها امام امها، لقد فرت من امامها، لعدم استطاعتها مواجهة عيناها، و لا مواجهة ذلك الاحتمال القائم، احتمال فقده، لم تفكر ساعتها كيف حدث ذلك، و لم تفكر فى صديق احمد، كل ما فكرت فيه، هو اخوها، ثم تذكرت ان لديها تلميذه بالفصل والدها من اشهر اطباء القلب فى مصر، و هرعت الى موبايلها حيث كانت تخزن رقم تلميذتها شانها شان العديد من تلاميذها
و حين ردت عليها الفتاة، و احست بارتياعها، جرت لتنادى اباها، الذى كان موبايله الشخصى مغلقاً و كانت العائله كلها فى احد فنادق الهرم للاحتفال بالعيد
سارة: دكتور حمدى، ارجوك يا دكتور، عاوزه منك معروف، اكبر معروف ممكن يتعمل لى فى حياتى، اخويا، اخويا يا دكتور اخويا
د. حمدى: طيب يا ميس سارة ممكن تهدى بس شويه و تكلمينى بشويش عشان افهم
سارة: اخويا اتصاب برصاصه فى فرحه، و محتاجين جراح قلب و صدر عشان النزيف مش راضى يقف، ممكن يا دكتور تيجى دلوقت فى مستشفى كليوباترا، ارجوك يا دكتور ارجوك
و لم تستطع سارة الكلام بعد ذلك، اذ انهارت فى وصلة بكاء طويله لم يقطعها الا رد الطبيب:
طبعاً ممكن، ان شاء الله نص ساعه و اكون عندك، ممكن تدينى حد من المستشفى
و بالفعل، استطاعت سارة اعطاء الهاتف للطبيب المناوب، الذى استمع لتعليمات دكتور حمدى بانتباه كامل، و تحرك بعدها لاعداد غرفة العمليات و اتخاذ اجراءات من شانها ايقاف النزيف
قامت بعدها سارة بالاتصال باختها فى الخارج و ابلغتها بما حدث كاملاً، لم تكن تستطيع تحمل مسئولية ما يمكن ان يحدث دون علم اسراء
حين علمت اسراء، اخذت فى الصراخ، و العويل حتى سمعها زوجها، و قام بسرعه و ارتدى ملابسه، ثم عمل كل الاتصالات الممكنه بشركات الطيران، و استطاع بالفعل ايجاد تذكره على طائرة ستغادر لمصر فى خلال ساعه و احده، فى تلك الساعه كان حازم قد اعد حقيبة زوجته بسرعه قياسيه، و حملها حملاً الى المطار و اوصى عليها كل من على الطائره حتى يعتنوا بها خلال وقت الرحله و مراعاة ظروفها النفسيه السيئه
كانت رحلتها بالطائره قطعه من العذاب، كل الاحتمالات ممكنه، و لا تستطيع الاتصال باهلها ولا الاطمئنان علي احمد، كل ما تستطيعه الدعاء و فقط الدعاء لله العلى القدير ان ينجيه
دخلت سارة على اخيها الغرفه بناء على الحاحها الشديد، و فى يدها المصحف، وكل ماطلبته ان تمسك بيده و تقرأ القران
و بدأت بقراءة السور التى يحبها، و يحفظها، سورة المؤمنون، و سورة ياسين، و سورة تبارك، والكهف و البقره، كانت تمسك بيده و دموعها تجرى بلا انقطاع و كانت احيانا تحس بضغطه خفيفه من يده على يدها او كانت تتوهم ذلك حين تلت قول الله تعالى
و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة و العشي يريدون وجهه
و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا
كلما احست بضغطة يده تمعن فى القراءه و التضرع لله

كانت مروه فى غرفه اخرى من غرف المستشفى، اغشى عليها بعد احمد بلحظات، و اصيبت بانهيار شديد، كانت كمن نزل من سابع سماء الى سابع ارض فى لحظه و احده
فى عز سعادتها و فرحتها به، تصبح على وشك فقده .. الى الابد
و بعد نصف ساعة كانت المستشفى تغص بالناس، من كل حدب و صوب، جيران و اصدقاء، و حتى اصدقاء الاصدقاء، و بعدها وصل الطبيب
و تعلقت عيون الكل باحمد و هو يخرج على سرير نقال من غرفة الانعاش الى غرفة العمليات

فى خضم تلك الاحداث كانت ام عمر تحاول الاتصال بابنها لكى تطمئنه عليها و تخبره بحالة داليا، و تطلب اليه تهدئتها، و اقناعها بتعاطى الدواء الذى من شانه انقاذ حياتها
لكنها فوجئت ان عمراً لا يرد، و لا حتى دينا و لا زوجها، جربت ارقامهم واحداً و احداً لكنها لم تجد رداً
و عندما طمأنها هشام بانهم من الممكن ان يكونوا فى حفل الخطوبه لذلك لا يستطيعون سماعها، لكن ذلك لم يمنع قلقها، لانها كانت تعلم انها الان الثالثه صباحاً و ان الحفل من المستحيل ان يستمر حتى ذلك الوقت
و بعد قليل اتصلت دينا بها
دينا: حمدلله ع السلامه يا ماما
الام: الله يسلمك يا حبيتى من كل شر، انتم فين ما حدش بيرد ليه
ردت دينا بصوت مرتعش: ابداً يا ماما احنا كويسين، اهم حاجه داليا كويسه؟
و حين حكت الام لدينا عن مشكلة اختها، وجدت دينا نفسها رغماً عنها تبكى بصوت مرتفع و هى تقول: خليها تاخد الادويه يا ماما، ده لسه جنين ياماما، لا عرفته و لا شافته، امال طنط مامة سارة تعمل ايه؟ تعمل ايه يا ناس
الام: مالها يا بنتى طانطك فاطمه، ايه اللى حصل، وقعتى قلبى
دينا: احمد يا ماما، احمد اتصاب فى خطوبته برصاصه، و راقد فى المستشفى بين الحياه و الموت
انتفضت الام لسماعها ذلك الخبر و ظلت تصرخ بلا انقطاع: يا حبيبى يا ابنى، يا حبيب امك يا خويا، يا رب نجيه، يا رب ما تورى حد فى ضناه
و انهارت بعدها فى نوبة بكاء مما جعل هشام يمسك بالسماعه و ينهى المكالمه امام داليا الذاهله

و فى المستشفى، خرج احد الممرضين من غرفة الانعاش ليطلب من كل الموجودين التبرع بالدم اذا كانت فصيلتهم مطابقه لفصيلة احمد النادره، كان فصيلة أو، و بالفعل كان عدد من الموجودين يحمل تلك الفصيله، و لذلك تم التبرع فى ثوان، ساعتها حمد الجميع الله على ان ما حدث قد حدث اثناء الحفل و ان كل هذه العدد من الناس كانوا موجودين وقتها فى المستشفى
كان البوليس قد وصل للمستشفى، و مصطفى يصلى فى احد غرف المستشفى منذ لحظة دخول احمد و يدعو الله ان ينجيه، لائماً نفسه على اصطحابه لسلاحه، معتمداً على انه ضابط يحضر الحفل ببذلته الرسميه، لقد طلب اليه احمد ذلك، كان يحبه و يتباهى به وسط اهله و اصدقاءه، و حين اخرج مصطفى مسدسه لم يستطع احداً من امن الفندق الاعتراض، ليتهم اعترضوا، ليتهم منعوه، ليته لم يدخل كلية الشرطه من الاساس، يا رب انقذ احمد و اللى يحصلى يحصلى
كان ذلك لسان حاله حين وصل البوليس و اخذوه معهم، لم يقبضوا عليه طبعاً لاعتبارات الزماله، فقط طلبوا منه الذهاب معهم الى القسم، حاول ان يطلب اليهم الانتظار حتى يطمئن على احمد، لكنهم لم يسمحوا له بذلك
خرج الطبيب من غرفة العمليات، ليطلب من الجميع الذين تدافعوا نحوه الاطمئنان، لقد استطاع انتزاع الرصاصه، و تم تعويض معظم الدماء النازفه من التبرعات، و اصبحت افاقة احمد عملية مرتبطه بتوفيق الله و لطفه سبحانه
حين سمع والد احمد تلك الجمله، انقض على يد الطبيب يريد تقبيلها لكن الطبيب قال فى لطف و هو يبعد يده عنه: استغفر الله، ده واجبى، ربنا يخلى احمد و يكمل شفاؤه على خير ان شاء الله
و بعد قليل كانت الانباء قد وصلت مروه، فتحاملت على نفسها و قامت من سريرها لتذهب لغرفة الانعاش حيث كان يرقد احمد، و ظلت تنظر اليه من خلف الزجاج و تناجيه: ا
احمد، حبيب عمرى، ربنا يخليك و يحفظك، مش حاقول خد من عمرى و اديه يا رب، و انت عارف ان حياته اغلى عندى من حياتى، لكن حاقول خلينا لبعض، عشان انا عارفه احمد مش حايستحمل يشوفنى او يشوف اى حد بيحصله حاجه و حشه، انت عارف قلبه يا رب، ده لما كان حد من صحابنا مامته ولا باباه يتوفى، كان احمد يعيط فى العزاء و يقول يا رب ما اشوفش اليوم ده، يا رب اموت قبل امى و ابويا، اديله على قد نيته و طيبته مع كل الناس و طول فى عمره، نجيه و اشفيه يا رب
حين سمعت داليا بما حدث لاحمد ليلة خطبته، تغيرت كل افكارها فجأه، فكرت فى تلك الام التى ربت اكثر من عشرين سنه، فى لحظه واحده تكاد ان تخسر هذا الرجل لا الجنين، هل لو اصرت على رفض العلاج تملك ان تطيل عمر جنينها لحظه واحده، اليس من الممكن ان يولد و يعيش سنيناً، ثم تفقده فى لحظه؟
انها لا تعرف احمد، فقط راته مره او مرتين فى زيارة لمصر، لكنها تحس الان بشعور امه، و شعور سارة، بل انها هى نفسها تخاف عليه و تدعو له بالنجاه، كذلك فكرت فى امها، كيف تغامر ان تورث امها ذلك الحزن الذى تشفق على نفسها منه، ان فقدت حياتها بسبب تلك الجلطه، كيف لها ان تكون بكل تلك الانانيه؟ و لا تفكر فى هشام و اخواتها و حزنهم ان اصابها مكروه، كل ذلك من اجل الامل فى جنين لم يتخلق بعد؟
و فجأه جلست فى سريرها و قالت: هشام، انا موافقه على العلاج
I will take my chances
و ربنا سبحانه و تعالى قادر ياخد منى الطفل ده فى اى وقت، زى ما هو قادر يحفظه ان شاء برغم العلاج و الادويه
و بالفعل احضر هشام الاقرار لتوقعه داليا بيد مرتعشه، و هى تحاول عابثه تمالك نفسها امام امها التى كانت تبكى قلقاً على احمد و على داليا و على طفلها الذى لازال فى علم الغيب

انها لحظة سحريه
ليس لها وصف الا هذا
لحظة فتح احمد عينيه
و ادارهما فى الغرفه، و قال بصوت ضعيف: انا فين؟ ماما، سارة، مروه، انتم كلكم معيطين ليه كده، ايه اللى جابنى هنا؟ مالك يا ماما؟ ايه داااااه؟ اسراء انت جيتى امته و ازاى؟؟؟؟
الام: انت بخير يا حبيب امك، و انا كمان بخير طول ما انت كويس، ربنا يخليك ليا و يحفظك و يجعل يومى قبل يومك يا حبيبى
اسراء: جيت يا سيدى، شفت كانت مكتوبالى انى اشوفك و انت عريس يا حبيب قلبى
سارة: كده خضتنا يا احمد، حمدلله على سلامتك يا ضنايا انت
احمد: اخيراً يا سارة اعترفت انك مامتى الصغيره؟ انا حلمت بيكى و سمعت صوتك بتقرى قرأن ى
سارة: ما كانش حلم يا حبيبى، كانت حقيقه و ايدك فى ايدى، ربنا كتب لك عمر جديد يا احمد

اقتربت مروه منه، و امسكت لاول مره فى حياتها بيده، و قبض على كفها قائلاً: فهمينى يا مروه، ايه اللى حصل؟ انت لسه بفستان الخطوبه ليه؟ و انا هنا باعمل ايه؟
و خلال دقائق كان احمد قد ادرك ما حدث، و عرف انه كان امس بين الحياة و الموت، و علم ان صديقه المقرب الان فى القسم و ان مصر كلها امام المستشفى، و حتى اسراء حين علمت جاءت فى خلال ساعات قلائل لتراه او لتودعه
نظرت اليه اسراء و سامحت حازم على اعتراضاته السابقه بشأن نزولها مصر، بل سامحته على كل اساءه حدثت منه منذ عرفته، و احبته اكثر، حتى طفلها فى بطنها منه، احست انها تحبه اكثر، حين فتح احمد عيناه، و راته، احست انها تراه لاول مره، ترى الدنيا كلها لاول مره،
احمد .. ..ا
كنز كان مختبئاً فى ركن من حياتها، و لم تعرف قيمته الحقيقيه الا فى هذه اللحظه، الاخ، السند، الصديق، و يكفى انه احمد
افاقت اسراء من تاملاتها على صوت احمد يقول: لازم اروح القسم اطلع مصطفى يا ماما، ارجوكم ما تسيبهوش يتسجن
الام: يطلع؟ ده انا نفسى يتبهدل، هو ضرب النار لعبه؟ و الله كان قلبى حايقع لما سمعت اول طلقه و حاولت اوصله و امنعه لكن فشلت، ده استهتار
احمد: يعنى هو كان قصده يا امى، ارجوكى لازم ننقذه، و بعدين انا عرفت غلاوتى عندكم رب ضارة نافعه، انا ما كنتش فاكر كده
الام: غلاوتك انت عارفها يا حبيبى، انت نور عينى الاتنين، ربنا يخليك لينا
تدخل عمر حين لمح قلق احمد على صديقه قائلاً: حاضر يا احمد، اللى انت عاوزه حايتعمل ان شاء الله
استطاع عمر تهدئة احمد لانه كان يعلم كم يحب هذا الشاب اصدقاءه و كان يعلم انه لن يهدأ حتى يعرف بخروج مصطفى، خاصة بعد ان علم ان مصطفى نفسه هو الذى حمله على كتفه و احضره الى المستشىفى، بدلاً من ان يهرب او يجبن
و انتهت تلك الليله بفرحه اكبر من التى بدأت بها، حقاً ان الانسان لا يعلم مدى حبه لشخص ما، حتى يختبره الله في هذا الشخص، فيحس ان العالم قد فرغ تماما الا منه، و كأنه هو كل الدنيا و كل الناس
، حقاً ما اقرب الموت، و ما اسرع ما تمضى الحياه، و لا ينفع فيها الا العمل الصالح
أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض
اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين المتقين
اللهم اغفر لنا ذنوبنا و كفر عنا سيئاتنا
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معصيتك
و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك
و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
اللهم احسن خواتيمنا و توفنا مسلمين و الحقنا بالصالحين
انك انت السميع العليم مجيب الدعاء يا رب العالمين

ا[الجزء الخامس] الحلقة الثالثة عشرة

رد عمر على الهاتف، ليجد هشام زوج اخته على الطرف الثانى: ايوه يا عمر، ازيك؟

عمر: انا بخير يا هشام، انت عامل ايه، و داليا، طمنى يا هشام فيه حاجه؟
هشام: داليا تعبت شويه و نقلتها المستشفى، بس هى كانت عاوزه مامتها تيجى يا عمر، و اضح ان حملها صعب و الدكتور حايعمل لها ربط بعد مرحله معينه، و هى محتاجاها تكون جنبها
عمر: يعنى هى بخير؟ و البيبى بخير؟
هشام: لحد دلوقت ايوه، لكن الدكتور اوصى انها تقضى باقى فترة الحمل نايمه على ظهرها، عشان كده عاوزك تبدأ اجراءات مع السفاره الامريكيه عندك، و ماما تروح تعمل مقابله هناك بكره، عشان انا بعت خلاص الطلب فى السفاره و ماما حاتروح تلاقى اسمها مدرج هناك
عمر: بس انت قلقتنى يا هشام باتصالك ده ارجوك طمنى على داليا و مش حاقول لماما حاجه
هشام: انا اسف انا عارف ان الوقت عندكم متاخر، بس احنا عندنا الصبح، و انا فى الشغل دلوقت، لكن ممكن تتصل بداليا على تليفونها فى المستشفى، اطمئن هى بخير، بس مش حاخبى عليك يا عمر، احنا محتاجين دعواتكم، ما عندكش فكره انا خايف عليها اكتر من البيبى ميت مره، صحيح هى عمرها ما بينت قد ايه هى نفسها فى الخلفه، لكن لما حصل الحمل فعلاً، فجأه اصبح امل حياتها كلها انها تكون اماَ، ادعولنا ربنا يكمل حملها على خير

انهى عمر المكالمه بدعاء متواصل لهشام و دينا ان يرزقهما الله بالذريه الصالحه و ان يكمل حملها بسلام
ثم عاد الى زوجته بتلك الاخبار المقلقه، و حين ابلغها ردت عليه قائلة: بص يا عمر، مامتك لسه ما فاقتش من مشكلة دينا، انا رأيي نقولها كده بلطف ان داليا محتاجاها جنبها و هى حامل من غير ما نقول ان فيه خطر او اى حاجه، مامتك مش مستحمله، و بعدين نبدأ الاجراءات عادى و على ما الاجراءات دى تخلص تكون داليا اتحسنت و روحت البيت ان شاء الله

عمر: تفتكرى يا سارة ما نقولهاش على تعب داليا ده؟

سارة: ايوه و ان شاء الله كلها كام يوم و هى تروحلها بنفسها و تطمن، ياللا نقوم نصلى التهجد و ندعى لداليا ان ربنا يفك كربها و يحفظ لها حملها، و يحقق املها

عمر: ربنا يكرمك يا سارة، شوفى انا مش عارف بصراحه اقولك ايه، بس تأكدى يا سارة انى فى كل صلاة بادعيلك، و حاضطر ابوظ المفاجأه اللى كنت عاملهالك لانى مش قادر ارخم عليكى اكتر من كده

سارة: بجد صحيح؟ مفاجأه ليا انا، وحشتنى مفاجاتك يا حبيبى

عمر: انا حجزت لك عربيه يا سارة، هى صغيره صحيح، و صينى اينعم، بس جالنا عرض فى الشركه عليها بخصومات و تقسيط بدون فوائد، و قسطها صغير، لو حبيتى تدفعى معايا براحتك، ما حبيتيش انا عينى ليكى يا سارة، و ان شاء الله تستلميها بعد العيد علطول، و كويس انت خلاص اتعلمت السواقه على عربيتى، عشان كده بعد العيد ان شاء الله نروح المعرض و تخرجى بيها منه
قفزت سارة فى الهواء من السعاده، و احتضنت عمر و هى تفكر فى ان الصابرين على خير، لقد كادت ان ترد علي استفزازه بعنف منذ دقائق معدوده، لكن الله هداها الى ان تكظم غيظها، و هاهو يكافئها الان على ذلك الصبر

و قالت: يا حبيبى يا عمر، انا برضه ما كنتش مصدقه هجومك عليا اللى من شويه ده

عمر: ايوه و تلاقيكى كنت بتقولى ايه الراجل العجيب ده؟ اللى انا طول النهار و الليل باخدم فى اهله و مش تمران فيه برضه هاهاهاها، بس انا كنت باستفزك عشان لما اعملك المفاجأه تسعدك اكتر

ردت سارة: انا اقدر اقول كده برضه، انت و اهلك فى عينيا يا عمر، لكن ده ما يمنعش ان الكلمه الطيبه صدقه، يعنى لما اسمع منك كلمه حلوه بالدنيا عندى يا حبيبى و الله، ياللا بقه عشان الكلام ما ياخدناش، نقوم نصلى و ندعى لداليا

احتضنها عمر بعينيه، يالجمال الفرحه الطفله فى عينيها، لم تغيرها الايام، لازالت تطرب لثنائه عليها، و تسعد بهديته الصغيره قبل الكبيره .
لكنه لا ينكر انها قد تغيرت بالفعل، نضجت و اصبحت اكثر هدوءاً، لقد تعمد اغاظتها و استفزازها، و اتهامها بشبهة التقصير مع انها مثل النحله لا تكل و لا تمل ليل نهار، لكنه على عكس ما توقع وجد رد فعلها هادئاً و عاقلاً لدرجه انه لم يصدق انها هى نفسها سارة التى كادت ترمى بشبكته فى وجهه حين استشعرت عدم الاهتمام بها، الحمد لله، خير متاع الدنيا هى الزوجه الصالحه بحق
و بعد صلاتهما سوياً، التى نزلت فيها دموع كثيره من اعينهما، دموع شكر لله، و دموع رجاء فى وجهه الكريم ان يكمل سعادتهما باكتمال سعادة كل فرد فى عائلتهما، بل كل فرد فى امة الاسلام بأسرها

اقترب منها عمر و قال بحنان: شهرزاد وحشتنى اوى يا سارة، هى فين؟

سارة: تحت الردم يا عمر، انت عارف انا نفسى شهرزاد و حشتنى، بس للاسف عندى خبر وحش مريم ببطانيتها و يحيى كمان فى السرير بتاعنا، و لو شلناهم هايصحوا و يجرسونا، غير ان مامتك حاتصحى و تتساءل عن سبب اقلاق راحة الكونتيسه مريم و الكونت يحيى

عمر: كمان معاها بطانيتها؟ حتى فى الحر ده؟

سارة: مانت عارف الننه دى عاده خلاص مش عارفه ابطلهالها، و بعدين هى جت على البطانيه، انا باقولك مريم نفسها فى الاوضه جوه و يحيى كمان، و انا مسمعتش ان شهرزاد كانت مخلفه و عيالها بيناموا فى اوضتها هى و شهريار بصراحه

عمر: خلاص نروح احنا اوضة مريم و يحيى

سارة: انت مش من هنا يا عمر؟ الاوضه فيها مامتك و قبل ما تحلم اوضة مامتك فيها دينا و هبه و التوأمتين خلاص بقه يا عمر، خلى شهرزاد يوم تانى نكون حاجزين من بدرى قبل ما مريم و يحيى يدخلوا يناموا هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها

عمر: خلاص انت حره، بس بالشكل ده ممكن انحرف

سارة: يا خبر؟ طيب انا عندى فكره، انا جبت مرات البواب النهارده نضفت شقة دينا الجديده، و الانتريه هناك مفروش و اوضة العيال كمان، بس انا اللى ضغطت على دينا تخليها معانا لحد ما جوزها يرجع، ايه رايك نعمل رحله قصيره لشقة الجيران، نعمل الشاى و ناخد الكنافه معانا هناك و نقعد شويه كده مع بعض لوحدنا و احنا امنين من دخول حد علينا

عمر: ايه ده؟ ما كنت سيبيها براحتها يا سارة، بس اقولك الظاهر شهرزاد دى افكارها لا تنضب ابداً

ارخت سارة عيناها فى خجل و سكتت عن الكلام المباح

صحيح ان التجديد بين الازواج مطلوب، حتى لو كان مجرد الغداء او العشاء بالخارج، مجرد تواجدهم معاً فى مكان مختلف، يوقظ المشاعر النائمه و يغذى العواطف
فى خلال ايام قلائل، كانت تأشيرة ام عمر جاهزه و داليا كانت بالفعل قد غادرت المستشفى الى المنزل، و استعدت لاستقبال امها لأول مره فى منزلها بامريكا
اما دينا، فبعد وصول طارق، و انتهاءهم من اعداد الشقه للسكنى و هى لا تزال تبيت مع ابناءها فى غرفتهم و هو فى غرفه اخرى و ان كان هو يحاول استرضاءها بكل الوسائل الممكنه
وفى يوم فوجئت دينا و زوجها بشركه كبرى بالامارات تبعث فى طلب طارق للعمل لديها، بضعف مرتبه السابق، و كانوا قد تعرفوا عليه اثناء احد المؤتمرات فى انجلترا و تم تبادل عناوين البريد الالكترونى بين مدير تلك الشركه و طارق و حين بدأوا فى توسعاتهم بالشرق الاوسط، فكروا فى طارق لاسناد ادارة الفرع الجديد اليه

دينا: انا مش مصدقه، ده ضعف مرتبك بالضبط
طارق: لو عشر اضعاف يا دينا، انا مش حاتحرك من مصر الا لما تخلصى الماجستير، و ادينى مقدم فى كام شركه هنا و مستنى
دينا: انت بتتكلم جد يا طارق؟ فعلاً مهتم بيا و بانى اخلص دراستى، يعنى مش قاعد تكفيراً عن غلطتك و عشان ارضى ارجعلك بس؟
طارق: انت تعرفينى مده طويله كفايه عشان تميزى اذا كنت صادق فى النيه ولا مش صادق، انا فعلا يا دينا حسيت انى ظلمتك و جيت عليكى كتير اوى، و حقك دلوقت انك تعملى اللى فى نفسك

و لاول مره منذ اشتعلت الازمه تجد دينا فى نفسها الرغبه فى ان تحتضن طارق و تبكى على كتفه، و قضت وقتاً طويلاً تشكو اليه حزنها و غيرتها عليه و نار حبه التى كادت ان تحرقها و تتحول لكراهيه حين علمت بخيانته لها، و اطل حبه القديم براسه لينحى مشاعر الغيره جانباً و يجعلها فقط تتذكر انه ترك دنياه كلها من اجلها هى

طارق: انا اسف يا دينا، و لو قعدت طول عمرى اكفر عن اللى حصل ده، مش حاقدر الغى الالم انا عارف، لكن اتمنى تسامحينى، و تقدرى ترجعى لى زى زمان، دينا مراتى حبيبتى

دينا: طيب ايه رايك انى موافقه على عرض الشركه دى، و حاسافر معاك كمان

طارق: ازاى يا دينا بس؟ انت فعلاً قدمت للدراسات العليا، و هبه دخلت المدرسه هنا

دينا: هبه لسه فى كى جى تو، يعنى مش قضيه اننا نحولها مدرسه هناك، و انت شغلك هنا مش مضمون يا طارق، و بالنسبه للماجستير، المرتب الجديد ده يخلينى اكمل فى الجامعه الامريكيه هناك لو حبيت، انا سمعت انها زى اللى فى مصر بالضبط، ايه رايك؟ حاتصرف على دراستى؟

لم يصدق طارق اذنيه، لقد اخلص النيه لله، و قرر التطهر و مصالحة دينا مهما كان العقاب، فاذا بالله سبحانه و تعالى بدلاً من ان يعاقبه، يكافئه، صحيح ان لرمضان بركه لا حرمنا الله منها

كانت الاستعدادات تجرى على قدم وساق فى اسرة مروه، لاختيار الفستان، و الكوافير و القاعه، اذ أصر والد مروه على ان يفرحها بحفل صغير فى احد الفنادق ثانى ايام العيد، حتى تكون مثل اختها، رغم ان بعض افراد عائلته اعترضوا على ذلك بزعم ان احمد ما زال طالباً، و البعض الاخر اعترض على مجرد قبوله و اندهش من سرعة ذلك القبول لشاب لا يبدو مستقبله واضحاً و كان رد

والد مروه: ماحدش يسألنى انا قبلت احمد ليه، انا نفسى مش عارف و لو حد قالى انى ممكن اوافق على خطوبة حد من بناتى لطالب فى الجامعه ما كنتش حاصدق، لكن الولد ده و اهله و دخولهم من الباب، كل ده خلانى احترمه و احترم اهله، غير انه كان ممكن زى اى شاب يصيع و يصاحب و يعمل اللى هو عايزه، ده غير انى صليت صلاة استخاره قبل القعده معاهم بيوم و طلبت التوفيق من ربنا، و لقيت نفسى مش شايف مروه غير جنب احمد، و باوافق من غير ما افكر

و بهذا اقفل والد مروه الباب امام كل الاعتراضات حتى من ابنته الكبرى شخصياً، لقد اقتنع باحمد و لم يعد هناك معنى لأى اعتراض من اى نوع
حتى موضوع الشبكه، تركه كاملاً بين يدى مروه، التى كانت لتقبل بخاتم من حديد، فقط اذا احضره احمد، لكنه لم يخذلها، كانت امه قد وهبت جزء من ذهبها لكل من ابنتيها حين زواجهما، و ادخرت الجزء الخاص باحمد، و قام هو ببيعه بناء على رغبة امه، اذ انها قدرت ان ذوق المصاغ قديم بعض الشىء و لن يعجب مروه لذلك طلبت من احمد ان يتصرف فيه و يشترى بثمنه الشبكه
و بعد بيعه، خرج مع مروه و والدتها و والدته و سارة طبعاً، و اختارت العروس شبكتها الانيقه الجميله، لم ترد ان تختار طاقماً ذهبياُ كاملاً رغم ان النقود كانت تكفى، كانت تحلم بخاتم ماسى و لو صغير فى حدود المبلغ الذى اخبرها احمد بتوفره معه، و هذا ما حدث، اختارت فص صغير ليتم وضعه داخل خاتم رقيق، و رغم اعتراض حماتها الداخلى، اذ كانت تريدها ان تنتقى الذهب الذى تزداد قيمته، الا انها لمحت نظرة فى عينى احمد، كانه كان يتوسل اليها الا تعترض، و لا تفسد فرحته، و عادت و تذكرت موقف والد مروه حين وافق دون ان يسال حتى عن امتلاك احمد لشقه من عدمه، و تذكرت ابنتاها حين عاشتا نفس الموقف و قامت الحموات معهن بالواجب، كل ذلك اطفأ اعتراضها و جعلها تبارك اختيار مروه بل و تسعد من اجلها
اما أحمد فكان شغله الشاغل، اخبار اصدقاءه المقربين، و سعادة الدنيا تملأه، و قاموا هم معه بالواجب من حيث شراء متطلباته فى الايام الاخيره قبل العيد، مما ذكره بأيام طفولته و شراء لبس العيد، و ان كانت سعادته الان تفوق كل السعاده التى راها كل اعياد عمره مجتمعه، تلك الكرافت الورديه الانيقه، و البدله السينييه التى ارسلتها اسراء من الخارج رغم انها كانت هى الوحيده التى تقاسى احزانها فى ذلك الوقت، كانت تتمنى ان تحضر خطوبة اخاها الحبيب، و تشاركه فرحته، انه اخاها و صديقها فى نفس الوقت، كيف تفوت فرحه، و زاد ذلك من حنقها على حازم و على الغربه، صحيح ان مشكلة ولادتها تم حلها بواسطة امها بعد اتفاقهم على حضورها اليهم، لكن خطوبة احمد جددت احزانها و اورثتها المزيد من الحنين و الاشتياق لاهلها و لقضاء العيد وسطهم، لدرجة انها كانت تبكى كلما اتصلت به و سمعت صوته، لكنها رفضت بشده ان يؤجل خطوبته من اجلها بل و اصرت على اهداءه تلك البدله الباهظه الثمن، لم تكن لتغلو على احمد
و فى ليلة العيد، سهرت العائله كلها فى منزل عمر، لوداع والدته التى كانت ستسافر فى اليوم التالى، و ايضاً لتهنئة دينا، التى اتفقت مع زوجها على السفر معه الى امارة دبى لاستلام عمله هناك على ان تحاول التسجيل لرسالة الماجستير بالامارات، و كانت تلك الليله تشبه ليلة الحناء بالنسبة لاحمد، رغم انه تواجد لوقت قصير، ثم تركهم و ذهب لاصدقائه حيث اتفقوا على السهر حتى الصباح و اداء صلاة العيد جماعه، و كذلك التأكيد على حجزمكان الخطوبه، و قد تعذر وجود قاعة خاليه فى العيد، لذلك قام والد مروه بحجز قاعه مفتوحه على حمام السباحه بالفندق الكبير
و من الفندق اتصل احمد بمروه بعد ان أكد الحجز بناء على طلب والد حبيبته

احمد: المكان جاهز يا مروه، انا مش مصدق اننا حانقعد فى الكوشه خلاص
مروه: حيلك حيلك دى كوشة خطوبة بس مش فرح
احمد: حاتموتى انت ع الجواز انا عارف
احمر وجه مروه غضباً و خجلاً: كده يا احمد؟ طيب خلاص مش متجوزاك، ايه رايك بقه؟
احمد: يعنى حانقضيها خطوبه؟
مروه: و لا خطوبه حتى، انا خلاص قفشت
احمد: طيب انا كنت حاعدى عليكى دلوقت اوريكى الشبكه بعد ما اتعملت
مروه: لا خلاص خلاص، تعالى وريهالى يا احمد عشان خاطرى
احمد: طيب بابا موجود
مروه: ايوه ايوه، انا مستنياك تعالى بقه
و فى خلال دقائق كان احمد تحت منزل مروه و كانت هى فى الشرفه منتظرة اياه بكل شوق، لم تكن متشوقه لرؤية الشبكه، كانت تريد ان تراه هو، و هى تحمد الله على تلك السعاده التى وهبهما اياها، بان جعل لقاءهما فى النور و امام الكل، بعد ان حرما على انفسهما كل ما يغضبه
فتح احمد العلبه امام مروه و والدتها، فانبهرت الام و مروه بجمال ذلك الخاتم رغم صغر الفص، كان على شكل ورده صغيره و الفص فى المنتصف و حوله عدد من الفصوص الصغيره غير الماسيه، و ان كان شكله كله يبدو تحفه فنيه رائعه
لمعت الفرحه فى عينى مروه، و هى تهمس لاحمد، اول هديه اقبلها منك، شفت حلاوتها بقه؟احمد: عشان كده ما كنتيش عاوزه دبدوب و كده، بترسمى انت على تقيل يا مروه، ماشى يا ستى، عاوزه اقولك حاجه، اتعودى على كده، حافضل طول عمرى اجيبلك هدايا عشان اشوف فرحة عينيكى دى
ثم اراها الدبل التى نقش عليها اسميهما من الداخل و تاريخ الخطوبه المتوقع بعد غد فى ثانى ايام العيد المبارك

ا[الجزء الخامس] الحلقة الثانية عشر

ابتسم والد مروه بحب و قال: احمد ده ابنى يا استاذ ابراهيم، و طول عمره قدام عينى و انا دلوقت زى ما يكون باخطب بنتى لابنى و انت عارف ان ربنا ما رزقنيش اولاد، و طول عمرى باتمنى اجواز بناتى يكونو اولاد ليا

كانت الدموع تقف منتظره عند اطراف رموش مروه و امها و سارة و امها و حتى .. أحمد
لذلك فور ما سمعوا تلك الجمله، نزلت الدموع بحريتها، و زاد عليها طلب والد أحمد من الجميع قراءة الفاتحه ليبارك الله جمعهم و يجمع بين مروه و احمد فى خير ان شاء الله

و بعدها قال والد احمد: بالنسبه للترتيبات احنا تحت امركم يا استاذ محمود

قاطعه والد مروه قائلاً: انا حاقولك كلمه قديمه شويه، انا باشترى راجل، و ابنك راجل، بس عندى رجاء ان مافيش جواز الا بعد ما يخلصوا جامعه و يلاقى شغل ان شاء الرحمن، مش حاقولك شقته فين و حايدفع مهر كام، كل الحاجات دى سهله و مش حانختلف فيها، لكن حاطلب منه يراعى ربنا فى مروه طول عمره

والدة احمد: طبعاً، دى مروه فى عينينا، و ان شاء الله ربنا يكرمه علطول بعد ما يتخرج بشغل كويس، المهندسين مطلوبين دلوقت فى مصر و بره مصر كمان، بس كان أملنا نفرح الولاد و نعمل ولو شبكة على الضيق بعد العيد ان شاء الله

رد والد مروه: خلاص يا ستى و الله ما حاكسفك، نفرحهم ان شاء الله، و يكون ارتباطهم رسمى و قدام الناس كلها، بس انا ما عنديش موضوع انا خارج مع خطيبتى لوحدنا، و لا حتى توصلها من الجامعه يا احمد، انت راجل مسلم و عارف ان الخطوبه لا تحلل حراماً

قال احمد و هو يقوم من مكانه متوجهاً الى والد مروه و الدموع لازالت فى عينيه: انا عارف يا عمى، و عندى اخوات بنات و ان شاء الله احافظ عليها، و لو سمحت لى، انا عاوز احضن حضرتك و اوعدك انى ان شاء الله عمرى ما حاخذلك، و لا اخليك تندم انك ادتنى بنتك
لحظتها اخرجت سارة علبه من القطيقه الحمراء من حقيبتها، و نادت احمد: تعالى يا حبيبى، قدم الهديه لخطيبتك
كانت تلك هى مفاجأتها لاحمد، ذهبت فى الصباح و استبدلت احد خواتمها القديمه بعد ان استأذنت زوجها، بخاتم جديد من الذهب الملون، ابيض و اصفر و احمر
نظر احمد بعينين غير مصدقتين لاخته، و قبلها و هو يشكرها قائلاً: طيب حاستاذنك تلبسيه انت للعروسه يا سارة، بنفسك، ربنا يخليكى ليا

تمتمت مروه: ماشى يا احمد، يعنى تحضن ابويا، و اختك تلبسنى الخاتم، ايه ده، انا انضحك عليا فى الفاتحه دى؟
لكن ذلك الاعتراض البسيط فى داخلها، لم يمنع او حتى يقلل من فرحتها العارمه بهدية سارة، كانت سارة تريد ان تطمئنها من ناحيتها، اذ انها بخبرتها كانت تعلم ان اكثر ما يقلق عروس الشاب وحيد اهله، هو غيرة امه و اخواته منها، لقد كانت فى موقفها يوماً ما، و ارادت اليوم ان تعلنها انها اختها لا زوجة اخيها، و فيما كانت مروه ترتدى الخاتم، كانت تحس بعينى احمد تغمرانها بفيض من الحب، لا تراه انما تحسه
تخاف ان ترفع نظرها اليه، لكن نظراته تحوطها، يكاد دفئها يلمس قلبها و بعدها نظرت اليه مروه بحب و اعزاز و هى تتمنى لحظتها ان تضمه الى قلبها، و همست فى نفسها: يا ما انت كريم يا رب، معقوله، بالسهوله دى؟ خلاص حابقى خطيبة احمد؟
و تحولت الجلسه بعدها الى احضان متبادله بين الجميع، و دموع فرح طاهر ملأت العيون
و فى نفس ذلك الوقت، فى مكان بعيد بعيد، فى الطرف الاقصى من الارض، كانت داليا تصلى كعادتها، و تشكر الله على ما أتاها هى و زوجها الحبيب و بعد ان انهت صلاتها و قبل خلع الخمار

هشام: تصدقى يا داليا، انت احلى الف مره بالحجاب؟
داليا: طول عمرى نفسى البسه يا هشام و نفسى ربنا يهدينى بس انت عمرك ما ساعدتنى، كنت حاسه ان شكلى من غيره بيرضيك اكتر
هشام: بس كان لازم ما تهتميش بيا، و تهتمى برضا الله اكتر يا حبيبتى
داليا: ان النفس لأمارة بالسوء، اعمل ايه بس، لكن الحمد لله الذى هدانا و ما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله يا هشام، تصدق كل الستات فى المركز الاسلامى، و حتى جيرانى الامريكان جابولى هدايا، عاوزين يعملولى حفله زى البيبى شاور كده اسمها هيجاب شاور هاهاها و كل الهدايا تبقى ايشاربات
هشام: الناس هنا عرفوكى من سنين يا داليا، و كنت احسن سفيره للمسلمين، عمرك ما اذيتى حد من جيرانك او حتى عليتى صوت الراديو و كنت دايماً بتقفى جنب اللى يحتاجك فيهم، عشان كده خليتى فكرهم عن الاسلام يختلف، وده اللى خلاهم لما اتحجبتى ما قالوش عليكى ارهابيه، بالعكس احترموا فكرك و التزامك باوامر دينك
حاولت داليا ان ترد لكن الالم ارتسم على وجهها، و امسكت بطنها و هى تستغيث: الحقنى يا هشام، انا تعبانه اوى، تقل جامد فى بطنى
تلقفها هشام بسرعه قبل ان تقع و جرى بها الى المستشفى القريب
و فى احد دول الخليج، و تحديداً فى احد المطاعم على الشاطىء، كان يجلس طارق ليتناول افطاره وحيداً و فجأه و جد مايسه امامه
مايسه: كنت متأكده انى حالاقيك هنا، ايه ده .؟ لا تليفونات بترد عليها و لا حتى ميلات؟ و مالك خاسس ليه كده، و بتاكل بره ليه، المدام ما بتطبخش ولا طردتك من البيت بعد ما رجعت

طارق: ايه كل ده، و المفروض ارد على ايه الاول؟
مايسه: ما بتردش عليا فى التليفون ليه يا طروق، تهون عليك مايسه حبيبتك، نسيت يا طارق كل اللى كان بيننا
طارق: لا يا مايسه، ما نستش، عشان كده عمال اندم على كل لحظه اغضبنا فيها ربنا، و بادعيلك بالخير و ربنا عالم
ردت مايسه و هى تسحب الكرسى و تجلس: طيب ليه ما يكونش الخير ده معاك يا طارق، قلت لك انسى الفلوس اللى مراتك عاوزه تضغط عليك بيهم، انا كنت غلطانه لما شكيت فيك، بس لما فكرت، لقيت انك انت عندى احسن من فلوس الدنيا، لكن هى باعتك عشان الفلوس، يكون جزائى تسيبنى و تروحلها
طارق: لا يا مايسه انت غلطانه، هى كانت مش عاوزانى و لا عاوزه الفلوس، و رجعتلى كل حاجه اول ما رجعت مصر، عشان كده قررت ارجع لها، و خلصت كل ارتباطاتى هنا و راجع مصر على العيد ان شاء الله، يعنى كمان كام يوم، انسينى يا مايسه، يمكن انا و انت غلطنا، لكن لسه فى وقت نصلح غلطاتنا دى

ردت مايسه و قد تجمعت دموع فى عينيها: غلطنا؟ احلى حاجه حصلت لى فى حياتى تقول عليها غلطه يا طارق؟ انا قلت انت هدية الزمن عشان يصالحنى على كل اللى جرى لى فى حياتى، تقوم تقولى غلطنا .؟ طيب انت غلطت فى حق مراتك، رغم اننا كنا حانتجوز على سنة الله و رسوله، انا غلطت فى مين فهمنى؟

طارق: غلطتى لما ما فكرتيش فيها، و لا فى بناتى، و انت ست زيها، و عارفه الجرح قد ايه بيكون قاسى لما ييجى من اللى حبيناهم طول عمرنا، كان لازم تحطى نفسك مكانها

مايسه: هى اللى ما عرفتش تحافظ عليك، و انا عمرى ما كنت حابقى مكانها ابداً، لو كنت اتجوزتنى كنت حاملأ عليك دنيتك كلها يا
طارق، عمرك ما كنت حاتحتاج تبص لحد غيرى

طارق: مش حاقدر اقول على دينا ولا كلمه، دى وقفت جنبى و اخدتنى و انا ما حيلتيش حاجه و ضحت بكل حاجه عشان خاطرى، عشان كده ده دورى فى التضحيه، انا مسافر بكره يا مايسه، و عاوزك تنسينى، و تنسى اننا فى يوم عرفنا بعض
لملمت مايسه نفسها و هى تكتم دموعاً حقيقيه، ليست فقط بسبب فقدها لطارق، ستجد غيره غداً، لكن بسبب انتصار دينا عليها، غريمتها انتصرت عليها، لم تقدر ذكاء دينا حق قدره، اعتبرتها زوجه غبيه ستعترض فى البدايه ثم تعجز عن التحمل لتترك لها الساحه وحدها لتصبح الزوجه الوحيده لا الزوجه الثانيه، لكن كل تلك الامال تحطمت الان بعد ان رفضها طارق بملء ارادته، و دون ضغط من زوجته

دخل عمر و سارة الى المنزل، ليجدا يحيى و مريم يجريان ليتعلقان بسيقانهما، كانت ام عمر طلبت من سارة ان تتركهما معها هى و دينا و لا تاخذهما الى منزل مروه، حيث كان من غير المناسب تواجد اطفال صغار فى تلك الليله

يحيى: يا ماما فطرنا لوحدنا و يحيى و مريم كانوا زعلانين اوى
مريم: اه , نانه منكم تانى ( زعلانه منكم تانى)

رفع عمر مريم عالياً و قبلها قائلا: انت نانه يا مريومه؟ طيب انا اسف ما تزعليش عشان خاطرى
يحيى: كمان حضرتك و ماما رحتو التراويح من غيرى، وانا بحب اروح الصلاه يا بابا

سارة: معلش يا يحيى، يوم ايوه و يوم لا، ما عندكش واجبات النهارده يا حبيبى، قول من دلوقت قبل فوات الاوان يا يويو
رد يحيى: لأ طانط دينا حلته معايا انا و هبه و خلثناه خلاث

و هنا جاءت دينا باكواب الشاى و وضعتها امامهم و قالت: الشاى يا جماعه، عملتوا ايه يا سارة؟ يا رب يكون ربنا وفق احمد
سارة: و الله كل خير يا دينا، عقبال البنات، برضه ياختى الخطوبه دى فرحه، مروه فكرتنى بيوم قراية فاتحتى انا و عمر، ربنا يسعد كل البنات يا رب
و انتبهت سارة الى انها من الممكن ان تنكأ جرح دينا فاضافت: و يرجع طارق بالسلامه ان شاء الله
ردت دينا متهلله: خلاص هو راجع الاسبوع الجاى باذن الله، و فرحتينى اوى باحمد يا سارة، هو يستاهل كل خير، ده داخ معايا عشان اخلص الورق بتاعى فى الجامعه ربنا يسعده و يباركله
ام عمر: اه و الله الواد ده بيفكرنى بعمر و هو صغير، امير كده و هادى و راجل من بدرى، كل عيلتكم ولاد اصول يا سارة يا بنتى، ربنا يكرمكم و يفرحكم بيه
سارة: دعاء جميل فى ايام مفترجه، يا بختك يا عم احمد يا ريتنى كنت احمد

عمر: لا لا لا، انت حلوه كده، و انا اعمل ايه من غيرك يا حبيبتى
منذ زمن طويل لم يدللها عمر امام والدته، بناء على طلب سارة نفسها، لكنها تلك المره لم تحس بغيرة والدته، بالعكس، احست انها فرحت من اجلها، لقد صهرتها تجربة ابنتها و احست بمرارة المرأه حين يخذلها زوجها، و جعلها ذلك تتمنى الخير لكل الزوجات، بما فيها زوجة ابنها
و فى تلك الليله، خلد الجميع للنوم مبكراَ حتى يحيى و مريم، و لاول مره منذ زمن يختلى الزوجان و الحبيبان

سارة: مروه النهارده فكرتنى بنفسى اوى يا عمر

عمر: عندك حق، احلى مشاعر فى الدنيا هى اللحظات الاولى فى الخطوبه دى، مستقبل مفتوح، كل الخيارات متاحه، و مع ذلك نختار حد معين عشان نمضى معاه بقية عمرنا
سارة: تفتكر انت اخترتنى يا عمر و لا انا اللى اخترتك؟
عمر: ربنا اختارلنا يا سارة، احسن اختيار فى الدنيا، ربنا يخليكى ليا، بس انا حاسس انك بعدتى عنى اوى، الاول يحيى و بعدين مريم و بعدين الشغل .
فكرت سارة: اللهم طولك يا روح بقه كده يا عمر، افتكرت الشغل بس و نسيت العيله و عيلة العيله و اللى عاملينه فيا، يا رب صبرنى
لكنها بالرغم من ذلك ردت بكل هدوء: معلش يا عمر انا عارفه ان شغلى ممكن يكون اثر علينا شويه، لكن حسسنى انى ليا فايده و لازمه فى الدنيا، بصرف النظر عن الفلوس، و ان كانت الفلوس كويسه برضه هاهاهاهاها

رد عليها عمر: يعنى انا كنت حارمك من حاجه يا سارة؟
سارة: و انا قلت كده يا عمر؟ انا كل اللى قلته ان ما حدش يكره زيادة دخله
و اكملت جملتها فى نفسها، خاصة لما يكون عليه اقساط متلتله و فى عيلة كامله معسكره عنده فى البيت
لكنها كتمت ذلك الكلام و احتفظت بتلك الابتسامه الساذجه لعله يعود الى الكلام الجميل الذى كان يقوله من يومين فقط، لكنه استمر فى كلامه: و كمان يا سارة عاوزه تزوديها بموضوع مجموعات التقويه ده، عشان خاطرى يا سارة فكرى تانى
فكرت سارة: اه، فكرى تانى، يمكن تكرهى ان دخلك يزيد و يبقى ليكى منظر فى الدنيا
لكنها حين تكلمت قالت: يا عمر يا حبيبى، انا نفسى اعمل المجموعه دى عشان ادخل فى جمعيه و ادفع مقدم عربيه صغيره كده تنفعنى بدل البهدله فى المواصلات

عمر: بهدله؟ ليه ان شاء الله، ما انت بتروحى بالباص و ترجعى بيه كمان، لازمتها ايه عربيه و مصاريف، انت فاكره العربيه بتيجى كده و خلاص، ده فيه صيانه و بنزين و زيت و هم كبير اوى
همت سارة بالرد بعد ان نفذ صبرها او كاد ينفذ لكن رنين الهاتف منعها، قامت و هى تتمتم، يا ساتر يا رب، خير اللهم اجعله خير ..

ا[الجزء الخامس] الحلقة الحادية عشر

تجمع اهل المنزل كلهم حول ام عمر و هى تكلم ابنتها بعد ان اقلقهم رد فعلها، و لسان حالهم يقول، هو احنا ناقصين، لكن ما لبثوا كلهم ان فوجئوا باساريرها تنفرج، و الابتسامه تعلو شفتيها، ثم اغرورقت عيناها بالدموع و هى تمتم: الحمدلله، عالم بحالى و غنى عن سؤالى، الحمد لله، مبروك يا داليا، الف مبروك يا حبيبتى
و اكتشف الجميع بعد قليل ان داليا اخيراً بعد الصبر و بعد ما يربو على عشر سنوات من زواجها السعيد، بعد ان تناست الموضوع و عاشت حياتها تنظر لنصف الكوب الملىء، زوج مخلص و عمل ناجح و منزل رائع و دخل كبير
اراد الله ان يكافىء صبرها هى و زوجها بعد تلك السنوات الطوال بان حملت داليا فى طفلها الاول
و ما ان علمت بحملها حتى اتصلت بامها لتبلغها الخبر، لكن بالرغم من غربتها الطويله، و تعودها على نمط الحياه العملي، الا ان دموعها خنقتها و هى تخبر امها، حقاً، اجمل هديه من الله لاثنين، هى الطفل، نعمة الحياه الجديده التى تترعرع بين اثنين، لتنير منزلهما و تملا دنياهما سعاده
اما رد فعل هشام زوج داليا، فكان لا يصدق، فور ما اخبرهما الطبيب بان داليا حامل، رفعها هشام من على الارض و دار بها، ثم اصر على ان ينزل حاملاً اياها من عيادة الطبيب الى السياره، كان قوي البنيان و كانت هى صغيره كاللعبه، لكن ذلك لم يمنع كل من راهما من الدهشه الممزوجه بالسعاده بهما و الفرحه من اجلهما، تلك الفرحه التى لا تحتاج الى لغه كى تفهمها تراها فى عينى اخيك فى الانسانيه بصرف النظر عن جنسيته و انتماءاته
و ذلك ماحدث بعدها فى العائله باكملها، اذ سادت الفرحه المنزل كله، و جلسوا ليلتها على شاشة الكومبيوتر ليتحدثوا مع داليا صوتاً و صوره، خاصة بعد ان ابلغتهم داليا انها ارتدت الحجاب كنوع من الشكر و العرفان لله سبحانه و تعالى، و كانت اسعدهم جميعا هى دينا، كم تمنت كل مره يرزقها الله بالحمل ان يسعد الله اختها هى الاخرى بطفل او طفله، بالرغم ان داليا لم تظهر ابدا رغبتها الدفينه او تباكت على حرمانها من الانجاب
و تنفس عمر و سارة الصعداء، اذ كان بداية مكالمة داليا تلك الليله توحى بعاصفه جديده لكنها تحولت فى لمح البصر لفرحه عارمه
و فى غرفتهم

عمر: الحمد لله ان داليا بخير، انت عارفه يا سارة كل يوم بتكبرى فى عينى اكتر، مش بس اهتمامك بامى، لا باخواتى البنات كمان، ربنا يخليكى ليا

سارة: ما هما اخواتى برضه يا عمر، الواحد لما يتجوز مش بيكون ارتباط بين شخصين، لا عيلتين كاملين، و الزمن ده كل واحد عنده اخ و لا اتنين بالكتير، حد طايل ان اخواته يزيدو، داليا و دينا دول اخواتى الكبار يا عمر و انت عارف

عمر: هاهاها، طيب ما تقوليش كبار بس، احسن حاينسوا كل حاجه و يفتكرولك دى هاهاهاه

سارة: هو انت حاتقولى، انا نفسى ما احبش حد يقولى انى الكبيره ابداً ابداً

عمر: انت ست الستات، و عمرك ما بتكبرى، انت فى عينى زى ما شفتك اول مره بالضبط يا حبيبتى

سارة: ياااه يا عمر، وحشنى كلامك الحلو ده، انت اللى حبيب عمرى، لا قبلك و لا بعدك

و بعد قليل فوجئوا بطرق على الباب ثم دخل يحيى باكياً

سارة: مالك يا يحيى بتعيط ليه و ايه اللى صحاك يا حبيبى

يحيى: نثيت اعمل الهومورك عااااااااااااااااا، الميس حاتزعل منى

قامت سارة من السرير و هى تلوم الظروف على هذه المقاطعه و تلوم نفسها انها نست يحيى فى خضم احداث اليوم
سارة: معلش يا حبيبى تعالى نروح نعمل الواجب
و استدارت لعمر مستعطفه: اعملك شاى يا حبيبى عشان نكمل كلامنا؟؟

عمر: لا، انا حانام عشان اقدر اقوم على السحور و اصلى الفجر حاضر يا حبيبتى، تصبحى على خير

تمتمت سارة: عينى عليكى و على بختك يا سارة، لما صدقت عمر رجعت له الذاكره و قالى كلمه حلوه
ثم علا صوتها و قالت من تحت اسنانها: هات شنطتك يا يحى يا حبيبى

و فتح يحيى حقيبته و بدا فى اخراج الكراسات منها، و صعقت سارة
كراسة الحساب بها واجب يكتب 3 و يملا بيها اربع صفحات فى تسع اسطر يعنى سته و تلاتين مره
و يكتب حرف الجيم تلاتين مره، لحقوا يوصلوا للجيم امته بس؟
ده غير انه لازم يلون رسمتين كبار و يوصل بالنقط اربع خمس صفحات فى الكتاب
يا خبر؟ منهج كي جى وان كبر اوى كده امته؟؟
و ظلت سارة المسكينه تساعد يحيى فى واجباته و يتدلل عليها، تاره يطلب لبن، وتاره اخرى عاوز يروح التواليت، و قام فتح التلفزيون عشان زهقان، و اكتملت الليله حين صحت مريم تسحب خلفها بطانيتها المفضله، وبدون كلمه واحده، احتلت ساقى امها و هى تذاكر ليحيى، و بدات تخطف اقلامه و تحاول ان تلون معه، و فى خلال كل ذلك كانت سارة تحاول ان تخفض صوتهم بقدر الامكان، حتى لا يستيقظ النائمون
و بعد خلود الطفلين للنوم، قامت المسكينه لتحضير السحور، و هى تدعو الله ان يكتب لها ثواب قيام الليل، صحيح انها لم تكن تصلى طول الوقت و كل ما استطاعته هو ان تصلى ركعتين، لكنها تعلم ان الله الكريم الغفور يعلم ما هى فيه، و لن تطلب العون و الثواب الا منه
و على مائدة السحور كان الجميع لا زالت بقايا النوم فى اعينهم، ما عدا سارة لانها لم تر النوم من الاساس، لكن دينا تبرعت بعمل افطار اليوم التالى، مما اعطى سارة املاً فى النوم قليلاً بعد العوده من العمل
اتصل احمد بسارة فى الصباح و هو فى الكليه، ليؤكد عليها ان تحضر هى و عمر يوم الجمعه للافطار مع عائلة مروه

احمد: انا طلبت من بابا يلمح يا سارة، او يتكلم من بعيد فى موضوع مروه، لكن حاسس انه مش مقتنع

سارة: لا، حاقولك خبر حلو، هو مقتنع يا احمد، انا و ماما اتكلمنا معاه تانى من وراك، وبابا خلاص وافق انه يقرا الفاتحه يوم الجمعه باذن الله لو اهل مروه وافقوا، و اهى حتكون اخر جمعه فى رمضان، و يمكن كمان ليلتها تكون ليلة القدر، ربنا يطرح فيك و فيها البركه يا احمد يا رب

احمد: انا مش عارف كنت اعمل ايه لو ما كنتيش انت اختى، يا سارة انت اجمل حد فى الدنيا دى كلها، ربنا يخليكى ليا
دفع كلام احمد بالعبرات الى عينى سارة التى قالت: و يخليك لى انت كمان يا حبيبى، اما حاتعمل ايه بقه لما تعرف المفاجأه اللى عملاهالك؟

احمد: كمان؟ لسه فيه مفاجأه؟

سارة: و ما تحاولش مش حاقولك حاجه الا يوم الجمعه ان شاء الله

انهى احمد مكالمته مع اخته الحبيبه و قلبه يرقص من سعادته، لقد اصبح على بعد خطوات من خطبة حبيبته، انه الان يحس انه احبها طول عمره، مهما تظاهر بالبرود، لقد كاد قلبه ينخلع عليها حين جرحت و هى لازالت طفله، زميلته فى ديسك الدراسه، صحيح انه طالما تظاهر بنسيانه لتلك الواقعه، لكنه يذكرها تماما، و يذكر ان عيناه دمعتا حين راى الدم و تمنى لو فداها بنفسه
لقد كبر هذا الحب الطاهر مع السنين، و اقترب ميعاد بلوغه سن الرشد
اللهم اجمع بيننا فى خير
هكذا تمتم فى نفسه، حين راها تقترب منه بحجابها الابيض الجميل و وجهها يخلو من اي مساحيق، و احلى مافيها ابتسامة عينيها حين تراه، انها فعلا تحس كما يحس، فرحة لقاء، و براءة حب طاهر لم تشبه شائبه، و حين اصبحت مروه على بعد خطوات منه
فوجىء بملك تأتى من خلفه و تلكزه فى كتفه بعنف
استدار احمد و فوجىء حين راها، كانت لاول مره تتجرأ لتاتى له فى الجامعه و تقول بصوت عال

ملك: اقدر اعرف ما بتردش على تليفوناتى ليه؟

كانت مروه قد وصلت فى نفس اللحظه، و فى عيناها حلت تساؤلات العالم كله محل الابتسامه

احمد: اعرفك الاول يا انسه ملك، دى الباشمهندسه مروه خطيبتى، و قراية فاتحتنا يوم الجمعه الجايه ان شاء الله

قالت ملك مخاطبه مروه بقلة اهتمام: اهلا يا باشمهندسه

ثم كلمت احمد: بس انت برضه ما قلتليش انت ما بتردش على ليه؟

تدخلت مروه: يرد عليكى ليه، وبتاع مين، و انت مين اصلا يا استاذه انت، ما تعرفنى يا احمد على الانسه

داخلت القوه احمد حين احس بمساندة مروه له: دى الانسه ملك يا مروه
مروه: ايوه ملك عارفين، تبع ايه يعنى، تبع اتحاد الطلبه، ولا معانا هنا فى هندسه، و لا جارتنا، ايه بالضبط يعنى، عشان هى ما كانتش معانا فى المدرسه

ملك: لا، من النادى

مروه: بس انا عضوه برضه فى الاهلى مع احمد و عمرى ما شفتك هناك يا ملك، بصى يا ملك اوعى تكونى فاكره احمد بيخبى على حاجه، و من فضلك حطى نفسك مطرحى و اللى ترضيه لنفسك، ارضيه لغيرك

ملك: هو احمد قالك ايه بالضبط عنى؟

احمد: قلت اللى قلته يا ملك، ما فيش داعى الموقف المحرج ده يطول اكتر من كده

انصرفت ملك مسرعه و هى لا تصدق ما حدث، هل فعلا هناك من يرفض حبها المجانى بكل تلك الصرامه، انها لم تطلب منه شيئاً، فقط ان تكون الى جواره، حتى خطوبته لم تعترض عليها، لماذا تبخل عليها الدنيا بابسط الامانى؟ ثم استعادت حوارها مع احمد اخر مره، نعم انه لا يريدها، يجب ان تصدق ان شاباً صمد امام جمالها و حرارة عواطفها، هذا الشخص هو الوحيد الذى احبته و ارادته رفضها ليرتبط بمن يحب بقلبه، لا بغرائزه

و قالت محدثه نفسها: يا خسارة! مبروك عليكى يا مروه، صحيح دنيا حظوظ

و بين مروه و احمد بعد انصرافها

احمد: و الله العظيم كنت حاقولك على كل حاجه، بس انت انقذتينى يا مروه

مروه: من غير ما تقولى يا احمد، من ساعة ما شفت البنت دى قاعدالك فوق العربيه فى جاراج النادى، و شفتك من بعيد و انت مكشر فى وشها، أسد يا واد هاهاهاها

احمد: اقولك حاجه يا مروه، انت اللى مخليانى اسد كده، ساندانى و ماليه عليا الدنيا كلها، و بلاش بقه احنا صايمين، بس اخر كلمه و ربنا يسامحنى، حبك مقوينى يا مروه

اطرقت مروه خجله الى الارض و قد احمر وجهها و هى تشكر الله لانه اعطاها الحكمه فى مواجهة تلك الدخيله، لقد ابلغتها صديقاتها ان تلك الفتاه تحوم حول احمد، ولم تفاتحه هى فى الموضوع، كانت تريد ان تعطيه فرصته، اما ليثبت اخلاصه، او العكس، و كم كانت سعادتها حين وجدت ملك اليوم مغتاظه و تسأله عن سبب عدم رده عليها، لقد استنتجت مروه وحدها ان احمد قد تمكن بالفعل من صدها و ايقافها عند حدها، و لم ترد ان تجعل من نفسها نقطة ضعف تضغط بها ملك على احمد، لذلك كان رد فعلها التلقائى، ان احمد رجلها، منذ سنوات طوال كان و لازال رجلها، و لن تتركه لاخرى مهما كان الثمن، و تذكرت فى تلك اللحظه كم من المرات وقف احمد الى جوارها، تذكرت يوم طردها مدرس العربى من حصته فى الثانويه العامه و انهمرت من عينيها الدموع و نزلت باكيه الى الشارع، لتفاجأ بعدها باحمد ينزل و بعده اكثر من خمسه من اصدقاؤه، لقد ناقش المدرس و سأله عن سبب طرد مروه، و حين اجابه المدرس ان اللى مش عاجبه يحصلها، فعلها احمد، و حصلها، و خلفه نزل اصدقاؤه
و بعدها قابل والد مروه المدرس الذى اعتذر بتعب اعصابه فى ذلك اليوم و اعادهم جميعاً الى الدرس
الا يستحق ذلك الحبيب ان تقف الى جواره و تمتمت مروه: ده اللى تيجى جنب احمد دى، اقطعها بسنانى

و فى اليوم الموعود كانت مروه و امها مستعدتان من يومين، و حضرت اسرة احمد فى الميعاد، لاول مره يحس احمد بتلك الرهبه و هو يدخل بيتهم، لطالما حضر لتلقى دروس خصوصيه هنا و هو صغير، لكنه اليوم يشعر بشعور مختلف، و تلك العروس الجميله، طفلته و حبيبته و كل امله من الله ان تكون يوماً ما .. زوجته
و بعد الافطار و صلاة المغرب جماعه التى اصر والد مروه ان يأمهم والد احمد فيها، تكلم والد احمد قائلاً: دلوقت يا استاذ محمود، ربنا سبحانه و تعالى وصانا اننا نزوج ابناءنا الشباب، عصمه لهم و ابعاد عن الخطأ و الزلل

والد مروه: طبعاً يا استاذ ابراهيم، و الرسول صلى الله عليه و سلم قال من استطاع منك الباءه فليتزوج، و ده بيكون عصمه فعلاً للشاب

والد احمد: طيب ايه رايك، انا نفسى ربنا يبارك فى جمعنا ده النهارده و نشهد كلنا قراءة الفاتحه على ان يتزوج احمد ابنى، من بنتكم الباشمهندسه مروه بعد ما يخلصوا كليه ان شاء الله

بالرغم انه كان من الواضح ان تلك هى النهايه الطبيعيه للزيارات و العزومات و كان الجميع ينتظرها، الا ان وجه مروه احمر و سخن سخونه شديده، و لم تجرؤ على رفع نظرها لاحمد الذى تعلقت عيناه و قلبه برد والد مروه .

ا[الجزء الخامس] الحلقة العاشرة

ملك: ليه يا احمد مصر تبعدنى عنك، انا و انت عارفين انك مش خاطب

احمد: لا، خلاص فى طريقى لقراية الفاتحه يا ملك، انت زى اختى و انا زهقت من قفل التلفون عليكى، انت ما بتزهقيش

ملك: لما تكون جايزتى فى الاخر انسان زيك عمرى ما ازهق

احمد: زييى؟ ايه اللى فيا مختلف يعنى يا ملك، انت بنت جميله و ميت واحد يتمنى منك كلمه

ملك: ماهو عشان كده، انت الوحيد اللى ما اتمنتش منى كلمه، و لا رفعت عينك و بصيتلى، و لما بصيت انا فى عينيك شفت حنان كتير اوى يا احمد

احمد: يا ملك انت كنت بتعيطى و زعلانه من ظروفك و كان والدك لسه مسافر، انا تعاطفت معاكى كصديقه و زعلت عشانك، لكن ده مش حب

ملك: هو انا وحشه يا احمد، و لا انت ما بتحبش البلوند؟ اللى شعرهم اصفر وعينيهم عسلى يعنى؟

احمد: البنت عندى مش منظر يا ملك، مش شعر و عينين، و شعرك اللى انت فرحانه بيه ده حرام حد يشوفه الا جوزك ان شاء الله، و بعدين انا لما باشوف بنت مش باوزن حلاوتها عشان احبها او ما احبهاش خالص، انا حبيت خطيبتى دى عشان حبيت و بس، و بعدين ده انا باتخانق معاها عشان بتكلم زمايلنا من ابتدائى مع بعض فى التليفون، لكن انت حياتك غير حياتى خالص

ملك: بس ما تقولش خطيبتك و بعدين يعنى ايه بقه حياتنا مختلفه؟

احمد: يعنى متحرره فى لبسك و كلامك و انا مش باقولك كده عشان نفسى، عشانك انت، ما فيش ولد حايحب بنت و هو حاسس انها ممكن تكون سهله و اى حد يكلمها و ياخد نمرتها بسهوله كده يا ملك لا و الاكتر هى اللى تاخد نمرته كمان

ملك: انا عارفه، بس اعمل ايه، ماما متجوزه و قاعده فى المنصوره، و انا قاعده هنا مع جدتى من ساعة ما والدى سافر بره و اتجوز هو كمان، ماحدش بيقولى بتعملى ايه، مجرد فلوس بتجيلى كل شهر، حتى التعليم، خلصت معهد سنتين و قعدت بعدها فى البيت، و بقيت انزل الجامعه ساعات اشوف صحابى، دى حياتى للاسف، ولو واحده غيرى كان زمانها انحرفت

احمد: اعوذ بالله، يعنى الواحد ما يبقاش كويس الا اذا كان فى حد رقيب عليه، طيب و ربنا يا ملك، مش هو شايف كل اعمالك، مش خايفه منه؟

بدات ملك فى البكاء: اهو عشان كده حبيتك، انت الوحيد اللى بتحاول تهدينى و تقولى اعمل ايه و ما اعملش ايه، كان نفسى تكون اخويا يا سيدى مش لازم حبيبى، اى واحد فى مكانك كان يحاول يستغلنى، مش يبعدنى عنه زى ما انت بتعمل، احمد انت بتحبنى، انا عارفه، لو ما كنتش بتحبنى كنت استغليتنى زى غيرك، ان شالله تاخدنى و تروح السينما تتعايق البنت الحلوه اللى معاك، انا مش عاوزه منك حاجه، اقولك؟ اخطبها و ما تحبنيش، بس ارجوك، خلينى احبك، ادينى فرصه انى احبك

رد احمد: انا اسف يا ملك انا حاضطر اقفل دلوقت عشان نازل اصلى التهجد مع بابا، مع السلامه

بعد ان اغلق احمد الخط، ظل يمارس تمرينات الضغط لمدة عشر دقائق، ثم ذهب فتوضأ و نزل وحيداً ليصلى فى المسجد، انه يكره ان يؤثر عليه احد، و هذه الفتاه مجرد سماع صوتها يشعل فيه النار، يا رب اعصمنى من الخطأ يارب
وفى طريقه الى المسجد اخذ يردد الايه الكريمه
و الا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن و اكن من الجاهلين
و لدى عودة عمر و سارة الى المنزل كان كل حديثهما يدور حول احمد و مروه و زواج الحب و زواج الصالونات

سارة: يعنى بذمتك مش الاحسن ان الولد يتقدم الاول و بعدين يحصل مشاعر حلوه كده زى اللى حصلنا يا عمر، بدل ما البنت تحب و تتعلق و بعدين يا اما ييجى يتقدم يا ما يجيش و بعدها يا اما الاهل يتفقوا يا اما تتفشكل الحكايه

عمر: انا مش عارف يا سارة، بس الحب ده ما حدش بيكون مخطط له، يعنى انا لو حبيت قبل ما اتقدم لك كنت اتقدمت و اتجوزت اللى باحبها

سارة: يا سلام يا خويا، و نسيت بنت الجيران بتاعة اسكندريه؟.

عمر: ده ما كانش حب يا سارة، الحب عرفته لما عرفتك انت، و بعدين مش بس الحب، لازم مع احترام و اقتناع بالشخصيه اللى حارتبط بيها و اكمل معاها عمرى، انا متاكد ان احمد مش بيحب مروه حب اهوج، لا هو مقتنع بيها، بس هى ايه .. دى دايبه خالص، بتموت فى الواد

سارة: ما هو اخويا يتحب برضه يا عمر، اخلاق و دين و طول بعرض، يعنى لقطه

عمر: حاتعملى فيها حماة من الاول، ربنا يكون فى عون مراتك يا يحيى يا حبيبى .
سارة: ايه ده يا عمر؟ هو الواد يحيى خطب خلاص؟
عمر: هاهاها، ما فيش اسرع من الايام، ما احمد اللى كنا بنشيله على رجلينا اهوه كبر و عايز يخطب
سارة: حيث كده بقه، لازم نحاول يا عمر نشتريله شقه
عمر: شقه؟ انت صدقتى ولا ايه؟ يحيى فى كى جى وان يا سارة و احنا لسه ما خلصناش اقساط مدرسته و لا اقساط شقتنا حضرتك
سارة: اصلى اكتشفت يا عمر ان الواحد عمره ما بيعرف يحوش ابداً، لكن لما يكون عنده اقساط بيلتزم بيها و يوضب حياته على قدها، يعنى احنا قبل ما نبدا فى اقساط شقتنا دى كنا عايشين و دلوقت برضه عايشين، لكن الاقساط بتخليك تحوش غصب عنك
عمر: و الله عندك حق، اهو كده مزنوقين و كده مزنوقين هاهاها، بس انا ما قدرش اعمل حاجه قبل اقساط شقتنا دى ما تخلص
سارة: انا نفسى يا عمر اجيب حته عربيه صغيره كده، اهو برضه يعتبر تحويش للفلوس
عمر: تحويش؟ الفلوس؟ هو السبعميت جنيه بتوع المدرسه محيرينك للدرجه دى؟
سارة: لا لا، ما انا من الاسبوع الجاى حابدا مجموعات تقويه فى المدرسه، زى الدروس كده بس اسعار اقل، و تبع المدرسه، و الحمد لله عدد كبير من التلاميذ سجل اسمه معايا
عمر: و دى فى مواعيد المدرسه العاديه .؟
سارة: لا طبعاً، يوم السبت الصبح عشان اجازه
عمر: بس ده اليوم الوحيد اللى بتعملى فيه الاكل بتاع الاسبوع و تنفيض البيت و الحاجات دى كلها
سارة: ماهى المجموعه الصبح من تسعه لحداشر و بس، و اروح بعدها البيت علطول، و حاتكون ام محمد نفضت و اعمل الاكل عادى يعنى
عمر: بس انت ما خدتيش راييى يا سارة
سارة: معلش يا سيدى ادينى باخده اهوه، دول الف جنيه فى الشهر يا عمر
عمر: برضه نفكر الاول، انا مش عاوز موضوع الدروس ده
سارة: دى مش دروس، دى مجموعه و فى المدرسه
عمر: ما هى حتبدا كده و بعدها الاقى البيت قلب مدرسه يا سارة
سارة: اطمن يا عمر انا عمرى ما حاعمل حاجه فى البيت من غير ما استاذنك يا حبيبى

سكت عمر و لم يرد و احست سارة انها احتوت ازمه كادت ان تنشب، لازال عمر موهوماً بالسيطره، ولن تستطيع تغييره، كل ما تستطيعه ان تراوغ حتى تصل لاهدافها دون ان تغضبه، كما انها تعلم تمام العلم انه من الطبيعى ان يكره الرجل التفوق المادى لزوجته، لذلك ارادت الا تشعره باى ضيق يزيد من ذلك الشعور
و لدى وصولهما، وجدا دينا مستغرقه فى الضحك مع امها، فرحت سارة لانها لاول مره ترى ابتسامتها منذ عادت حزينه من الخارج

سارة: ربنا يسعدك يا دينا يا حبيبتى، احكى لى كل حاجه من طق طق لسلامو عليكو

دينا: و الله يا سارة حسيت انى رايحه افطر مع حد تانى مش طارق، مش حاتصدقى الحنيه و الحب اللى كان بيدلقه علينا انا و البنات

عمر: الحمد لله يا دينا، مش عيب ان الانسان يغلط، بس ما يتماداش فى غلطه

دينا: انا خلاص اتفقت معاه انه حايصفى اموره هناك و يرجع، بس فى شوية فرش حايتشحن يا عمر و حاتعبك معايا بقه معلش

عمر: تعبك راحه يا دينا، بس انت فعلا خليتيه يسيب شغله هناك يا قادره هاهاهاه

ام عمر: اهى دى ما لكيش فيها حق خالص يا دينا، رزقك و رزق بناتك تقطعيه؟

دينا: معلش يا ماما، انا مش حاضحى تانى، مش حاسيب دراستى و ارجع تانى اقعد تحت رحمته من غير شغله و لا مشغله، ان شالله حتى اخلص الماجستير و ابقى اسجل الدكتوراه بعدين

سارة: انا من رأى دينا يا طنط، و مش معقول ترجعله كده من غير تمن

ام عمر: معلش يا بنتى كان سابته السنه دى يتربى كده و ترجع لها بعدها، لكن قطع الارزاق ده وحش

دينا: يا سلام، اسيبه بايدى يرجع للهانم بتاعته هناك، لا يفتح الله يا ستى، يا اما يرجع يقعد معايا هنا، يا بلاش

عمر: بس اهم حاجه يا دينا، ان لا انت خسرتى عيلته و لا هو خسرنا عشان كنت كتومه بما فيه الكفايه

دينا: ما هو شايللى اوى الجميل و انى ما فضحتش الدنيا عند عيلته، و هو عارف بيحبونى قد ايه، بس تعرف يا عمر انا ما عملتش كده ليه، انا كنت حاسه انه حايرجع، قلبى قاللى ان الحب و العشره حاينتصروا فى النهايه، بس لو كان اتجوزها فعلا عمرى ما كنت حارجعله ابداً، هو ندم فى اخر لحظه قبل فوات الاوان

عاد طارق فى اليوم التالى الى عمله، و بدأ بالفعل اجراءات استقالته و باع سيارة زوجته و بدأ يشحن معظم اثاث منزله الى مصر حتى يكملوا به فرش شقتهم الجديده، و فى غمار ذلك وجد مايسه تتصل به فى التليفون المحمول، كان قد نسيها او تناساها بعد ما ادرك التاثير المدمر الذى كان سيلحق بحياته من جراء معرفته بها لكن صوتها كان باكياً حزيناً و يختلف تماما عن اخر مره كلمته فيها

مايسه: حمد لله على السلامه يا طارق، كده اعرف انك رجعت من زمايلك، ما كنتش فاكراك قاسى كده

طارق: و انت مهتمه تعرفى ليه يا مايسه؟ انت مش بعتينى خلاص، بس اشكرك و الله عرفتينى قيمة الانسانه اللى كانت معايا
مايسه: الانسانه اللى سرقتك مش كده؟

طارق: سرقتنى؟ ماشى و الله ربنا عالم مين سرق مين، بس دى خصوصيات بين الراجل و مراته يا مايسه و مش حاتكلم فيها

مايسه: طيب عاوزه اشوفك، و لا الهانم منعتك تشوفنى؟

طارق: هى ما منعتنيش، و سابتنى كمان ليكى لو تفتكرى، بس ان رفضتينى من غير فلوسى، اما هى رجعتلى فلوسى، و رضيت بتوبتى كمان، انا راجعلها يا مايسه و يا ريت تنسينى

مايسه: راجعلها؟ هى ما جتش معاك هنا؟

طارق: برضه مش شغلك، انسينى، اشطبينى من حياتك خالص، اللى بيننا ده كان نزوه و انتهت، انا حتى مش عاوز اشوفك تانى، مع السلامه يا مايسه، و اتمنى ربنا يوفقك

اغلق طارق الخط ليترك مايسه لا تصدق نفسها، لقد اضاعته بطمعها، ما ضيرها لو كانت وافقت عليه بغير ماله، انها تملك الكثير و كان وجوده فى حياتها يكفيها، لكن الطمع تملك منها، و الغيظ من زوجته الاولى، حتى انها اعطت نفسها حقوقا اكثر منها، كم كانت غبيه، و كم كانت دينا ذكيه و استطاعت الايقاع بها، لقد صعقت حين رات دينا، و جمالها، لكنها لم تكن تتوقع ابدا ان تكون بهذا الذكاء و توقعها فى شر اعمالها
حقا لقد هزمت فى المعركه، لكنها لم تخسر الحرب، ستحاول ان تقابله، انها تعلم نقاط ضعفه و تعلم كيف تصل اليه و حتما تستطيع استعادته، لقد اصبحت قضية حياتها ان تستعيده، فقط لكى ترد لدينا الصفعه
كان رمضان على وشك الانتهاء، و كل البيوت مشغوله بملابس العيد و الكعك و خلافه، و فى يوم الجمعه الاخيره فى رمضان، رن تليفون المنزل و ردت ام عمر لتجد ابنتها داليا على الخط تكلمها من امريكا

ام عمر: ايه يا داليا، ايه يا بنتى، بس اهدى و كلمينى، بتعيطى ليه، انا مش فاهمه منك و لا كلمه

Facebook Twitter Favorites More