ياسلاااام ياسي عمر، الله وبقيت زوج خلاص وبتخاف على كل مليم يحتاجه البيت!! فين أيام الفسح والإنطلاق والمصاريف بدون حساب؟ وكان دايماً والدي يقول لي لما تتحمل المسئولية ح تتغير وتعقل، ولم أكن أصدقه .. خلاص خلصت الأيام دي وخصوصا مع الأسعار التي لا ترحم .. أصبحت لا أفكر إلا في ما يحتاجه المنزل والضروريات؛ مثل الطبيب والميكانيكي والسباك وخلافه ممن يهجمون على جيوبي فيجعلونها بيضاء لامعة من غير سوء ..
بس برضه إحساس غريب إني لما أشتري شيء جديد للمنزل أنا وسارة باشعر بالسعادة على عكس ما كنت متخيل!! كنت أتصور وأنا عازب إن لو مر أسبوع لم أخرج فيه مع أصحابي في فسحة محترمة ممكن يحصل لي حاجة في عقلي .. لكن دلوقتي بأجد لذة كبيرة أن أضيف شيء للبيت حتى لو كان بسيط جداً .. فأشعر بجد إني وقتها رجل البيت .. وخروجي مع أصحابي أصبح في أبسط الأماكن التي لا تكلف الكثير .. وطبعاً أسمع تريقة للصبح إني بأوفر علشان أشتري الجرنال وبطيخة للمدام وانا راجع!!! أمال اللي عندهم أطفال بيعملوا إيه؟ ربنا يستر ..
قــالت ســارة:
يارب يا سميع يا مجيب حقق لي أملي .. أرزقني كما رزقتَ زكريا .. هب لي ذرية صالحة .. اللهم اجعلني أمّاً ..
ناجيت الله كثيرا بعد صلاة العشاء أن يحقق لي أملي ويهب لي طفلاً أسعد به، ويملأ عليّ دنياي أنا وزوجي .. لا أعرف كيف اجتاحني إحساس الأمومة من أول ما تزوجت؟ .. كنت وأنا بنت إحساسي بالأطفال مختلف .. لم يكن عندي صبر طويل معهم .. أحب الطفل وهو يلعب ويضحكن وأول ما يبكي تنقطع الصلة بيني وبينه وأرميه لأمه فوراً .. ماذا حدث؟ سبحان الله القدير .. أحنّ لشيء لم أره!! ونفسي تهفو لأن تجاور دقات قلبه جسدي، وأضمه بين ضلوعي .. كيف حدث هذا الإنقلاب؟ .. يارب يارب هبه لي هبة مباركة من عندك .. قد لا أكون أهلاً لهذه الهدية، ولكنك أهلٌ لهذا العطاء ياسميع يا مجيب ..
أكاد أجن من شدة وطأة هذا الشعور والحنين القاتل لأن أكون أماً، والغريب أن عمر لا يساوره هذا الإحساس مثلي .. بل يحمل خوفاً من مصاريف الأطفال ومسؤوليتهم الكبيرة ..
وما يجرحني بشدة ويزيد عندي الإحساس أني تأخرت في الحمل هو سؤال الناس الدائم لي: هاااا .. مفيش حاجة حلوة جاية في الطريق؟ .. أول ما أسمع كلمة “هاااا” الكريهة أتجنن .. خلاص السؤال ده أصبحت أهرب منه من الجميع، وكأن الموضوع بيدي وأنا التي لا أريد .. آه لو كل الناس تكون في حالها ..
حتى مكالمات التليفون من خالاتي أو أقارب عمر تكاد كلمة “هاااا” تحل محل ألو .. هو أنا باتدخّل في خصوصيات الناس بهذا الشكل؟ .. يمكن لو لم تكن الأسئلة تحيطني في كل مكان لم يكن الإحساس عندي تضخم بهذا الشكل .. وبعدين هو الحمل بيستخبى إزاي يعني؟! ماهو أكيد لما ح يحصل كل الناس ح تعرف، ولا ح أخرج وأسيب بطني في البيت؟!!
وحماتي ماشاء الله عليها لها دور كبيييييير جداً!!! تحيطني بكمية من العبارات الجارحة التي لا تتوقف، وكأننا متزوجين من عشرة سنين وليس 8 أشهر؟ .. معقول العقل ده؟ .. طول ما إحنا بنزورها، وخصوصا في غياب عمر، تحيطني بعبارات من نوعية:
عيني عليك يا عمر بتموت في الأطفال ..
دي فلانة ماشاء الله حملت من يوم الدخلة ..
ما بتفكريش تروحي لدكتور يا سارة؟
ولم أكن أرد أو أحكي لعمر كي لا يغضب .. ولكن من داخلي كانت تجرحني في أنوثتي دون مراعاة لشعوري وكأنها تسعد بهذا .. وكانت تعلم ميعادي الشهري باليوم، وفي اليوم المنتظر صباحاً تتصل بي كل شهر وتسأل سؤالها المعهود: جاءت؟ .. وأنكسر وأنا أرد بالإيجاب .. فتنهي المكالمة بغضب وتكاد تغلق السماعة في وجهي .. وفي آخر هذه المكالمات القاسية أجهشت في البكاء حتى استيقظ عمر وانتفض لما رآني منهارة بهذا الشكل، وسألني عما بي وهو يقرأ على رأسي آيات من القران كي أهدأ .. فلم أحتمل أن أخفي أكثر من ذلك وحكيت له عما حدث .. فسمعني وهو يكاد يغلي من الغضب، ولكنه كظم غيظه ورد عليّ بحنان: حقك عليّ يا حبيبتي نيابة عن ماما ..
فاقول له: طيب ليه تقول لي الكلام ده؟ .. هيّ دي حاجة في إيدي؟ ولا أنا يعني اللي مانعة الحمل؟
عمـر: معلش يا سارة، ما انتي عارفة ماما بتحبني قد إيه ونفسها تشوف أولادي ..
فصرخت فيه: يعني أنا اللي مش نفسي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله .. ده أنا مفيش واحدة قالت لي على نصيحة حريمي إلا وعملتها .. ومفيش فاكهة أو أكل قالوا عليه بيساعد على الحمل إلا وأكلته .. وطول الليل بادعي ربنا .. أعمل إيه تاني بس؟
عمـر: إيه يا بنتي الجنان ده كله؟ هو احنا بقالنا ميت سنة متجوزين؟ ليه كل ده؟
رديت بعصبية: ليييييييييه؟ .. دي الناس كلها متفرّغة تسألني أنا حامل ولا لأ؟ .. كأنه إستجواب أو إتهام بالتقصير مثلاً ..
عمـر: يا حبيبتي دول ناس فاضية، ما تسأليش فيهم .. همّا الناس كده يسألوا البنت أول ما تدخل الجامعة: مفيش عريس ولاّ إيه؟ .. ولما تتخطب: هااا الجواز إمتى عاوزين نفرح بيكم؟ .. وأول ما يجوزوا: مفيش بيبي في السكة؟ .. ولما تجيبي البيبي: يالاّ بقى همتك هاتي له أخ يلعب معاه .. ولما تجيبي الطفل التاني ويتأكدوا تماماً إنـّك غرقتي في المشاكل يسيبوكي غرقانة وما يسألوش عنك تاني!! بالذمة تعملي إعتبار لناس حشرية كده؟
أنا: بس أنا خلاص تعبت بجد تعبت .. عمر أنا عاوزة أروح لدكتور .. أرجوك ..
فرد با ستعجاب: دكتور إيه يا حبيبتي، لسه بدري أوي على الكلام ده ..
أنا: معلش ريّحني ياسيدي أنا تعبانة بجد .. علشان أطّمّن بس مش أكثر ..
عمـر: يا سارة ما تستعجليش رزق الله .. الأطفال دول رزق زي الصحة والمال .. إفرضي يا ستي مش مكتوب لنا نخلف ح نعمل إيه يعني؟
فكدت أنفجر من بروده: طبعاً ما هو الأمومة غريزة لكن الأبوّة بالممارسة .. يعني عمرك ما حتحس باللي أنا حاسة بيه ..
عمـر: يا حبيبتي إحنا سعداء مع بعض والحمد لله .. مستعجلة ليه على المسئولية؟
ففاض بي الكيل وصرخت فيه: يووووووه يا عمر، أرجوك حس بي وتعال نكشف عند الدكتور أنا وإنت ..
وكأني طعنته في رجولته فرد بغضب: وأنا كمان!! ليه؟ أنا كويس ومعنديش مشكلة، أروح ليه بقي؟
أنا: يا سلام يا باشمهندش، سبت إيه للناس العادية .. إيه علاقة ده بالخلفة؟
فرد بعصبية: سارة أنا مش عاوز وجع دماغ .. ده اخر كلام عندي عاوزة تروحي للدكتور إنتي حرة لكن أنا لأ .. لأ .. لأ ..
أنا: ………… .!؟
الدكتورة: إيه يا مدام سارة إنتي بتدلعي علينا ولا إيه؟
أنا: ليه يا دكتورة ؟
الدكتورة: حمل إيه اللي اتأخر؟ إنتي متجوزة يادوب من كام شهر!! ليه الإستعجال ده يا بنتي؟
فردت أمي نيابة عني لما رأت إحمرار وجهي: ما انتي عارفة زن الناس يا دكتورة خلّوها تقلق ..
الدكتورة: بصي يا سارة .. التحاليل اللي قدامي بتقول إنك سليمة مية في المية، ولكن القلق اللي انتي فيه ده ممكن يخلوكي فعلا تتأخري في الحمل .. إهدي واطّمني وسيبي كل حاجة بأمر الله ..
فرددت بخجل: طيّب يعني يا دكتورة مفيش حاجة تعجّل الحمل شوية؟
الدكتورة: انا مش عاوزة ألخبط الهرمونات عندك وأتعبك بجد .. وبعدين زوجك ما عملش التحاليل ليه؟
أنا: ………!؟
الدكتورة: رفض طبعاً كالمعتاد مش كده؟! كل الرجالة في الموضوع ده زي بعض .. الوزير زي الغفير .. قليل أوي اللي بيرضى يكشف وبعد ما تكون مراته اتبهدلت!! ربنا يهدي ..
سألتها: طيب يا دكتورة أعمل إيه؟ أنا خلاص ح اتجنن ..
الدكتورة: هو انتي لو مفلسة وطلبتي من ناس فلوس صدقة وقالوا إنهم حايدوها لك واتأخروا عليكي .. ح تروحي تخبطي على بابهم كل يوم بغالحاح؟
رديت: لأ طبعاً ..
الدكتورة: بس إنتي بتطلبي من ربنا يا سارة مش من الناس .. إلزمي بابه ولن يردك أبداً ..
وخرجت من عند الدكتورة وأنا في قمـّة الإرتياح .. إرتحت جداً نفسياً أن ليس بي عيب يمنع الإنجاب .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. يكفيني هذا الشعور كي أهدأ .. ولن يقلقني أحد بعد الآن ولو سألني أحد سأجيبه: لا تسألني أنا، بل اسأل الله .. لن أقلق أو أتوتر كي لا يؤثر على نفسيتي كما قالت الدكتورة ..
طيب وموقف عمر المتخاذل معي ماذا أفعل معه؟ .. أتشاجر؟ أخاصمه؟
لا لا .. لن أفعل كل هذا كي لا أغضب الله وأنا في أمس الحاجة لرضاه .. ولا أريد أن أعصى الله بغضب عمر مني، لأن ما عند الله لايؤخذ بمعصيته .. أفقت من سرحاني على صوت أمي تقول لي: ما تزعليش يا سارة من عمر .. هم كل الرجالة بياخدوا المواضيع دي بحساسية ..
ففاجأها ردي: لا يا ماما، أزعل ليه يعني؟ هو ده اللي ح يعجّل اللي ربنا كاتبه؟ .. وبعدين أنا ماأقدرش أزعل منه أبداً ..
فردت بغيظ: طيب يا ستي ربنا يخليه ليكي .. أنا الحق عليّ ..
وجاء عمر ليأخذني من عند ماما، وفي السيارة كان يتوقع مني البوز المتين وإني أتخانق أو حتى أبكي، وقصصت عليه ما قالته الدكتورة بكل بساطة وبدون لوم .. فصمت طويلاً وخجل من نفسه وقال لي: أنا آسف يا سارة ..
لم أرد، فواصل الكلام: أنا مش عارف سبتك ليه تروحي للدكتورة مع ماما! بجد أنا غلطان .. حقّك عليّ ..
رديت عليه وقلت: أنا فعلا زعلت منك، لكن قدّرت إنك واخد الموضوع بحساسية .. فخلاص يا سيدي ولا يهمك ..
أسعدته كلماتي فقال: ربنا يخليكي لي يا عمري ويكملك بعقلك .. وأقول لك حاجة، حتى لو خلّفنا مش ح أحب إبننا أكتر منك ..
أنا: ………!؟
ومرّت الأيام التالية وأنا هادئة تماماً وأدعو الله ليلاً ونهاراً وبتضرع وتذلل، ولكن باطمئنان ويقين داخلي أنـّه لن يردني أبداً، ولن يتركني خالية الوفاض .. وأبعدت أعصابي تماماً عن التوتر، وأكثرت كثيراً من الصدقات خلاف صدقات حصالتنا الأسبوعية أنا وعمر ..
وحماتي العزيزة واصلت بالطبع حملاتها الشرسة ضدي، وأنا لا أرد ولا أعيرها أي اهتمام .. حتى فاض بي الكيل من أسئلتها النارية والمستفزة فرددت عليها ذات مرة بهدوء وأدب حتى أغلق هذا الباب نهائياً: واضح يا طنط إن الموضوع ده قالقك أوي، وأنا عارفة إن ده من كتر حبك ليّا!! بس أنا بصراحة مش باحب أتكلم مع حد في خصوصياتي .. ده حتى ماما مش بتتكلم فيه خالص .. تتصوري يا طنط؟
حماتي: ……..!؟
والغريب إن عمر كان جالس في هذا الحوار، ولم يغضب مني كما توقعت!! بل بالعكس إبتسم وغمز لي بعينه وتظاهر إنه يقرأ الجريدة كي لا تقتله أمه ..
وأخيييييييييييراً جاء ميعادي الشهري الذي أنتظره على أحر من الجمر .. والحمد لله لم تتصل حماتي لتسألني سؤالها الشهري المعتاد .. ومر اليوم بطيئاً بطيئاً دون حدوث شيء!! وكل دقيقة أترقب وأدعو ألاّ يحدث .. ومر اليوم التالي وأنا في عملي، ولا أركز إطلاقاً إلا في ترقب ما سيحدث؟ وهل ستتأخر شارة أنوثتي يوماً آخر؟ .. يارب .. يارب .
ومر يومان آخران وأنا أكاد أجن من التوتر الممزوج بفرح غامض .. هل يكون قد حدث؟؟ .. ولاحظ عمر أني لم أنقطع عن الصلاة كالمعتاد، فسألني بترقّب: إيه يا سارة فيه إيه؟ بتصلي ليه؟
ولم أرد أن أخبره إلا لمـّا أتأكد أولاً، فضحكت وقلت له: أصلي أشهرت إسلامي قريب ..
وطبعا لم ينخدع بهزاري، ولكنـّه لم يرد أن يسأل هو الآخر كي لا يصاب بإحباط ..
وعند مرور خمسة أيام لم أطق الإنتظار .. وبدون أن أخبر أحد إشتريت إختبار حمل منزلي و قرأت تعليماته: علامة حمراء واحدة لايوجد حمل، وعلامتان أي يوجد حمل ..
وأجريته ..
ومرت الثواني بطييييييييييئة وأنا أغمض عيني كي لا أرى ..
وأخييراً إمتد اللون الأحمر ببطء ليرسم علامتين ..
علامتين؟!!
يعني أنا .. أنا؟ حااااامل؟
وخرجت من الحمام وهبطت بكامل هيئتي في سجدة شكر طويلة .. وبللت دموعي الشاكرة وجهي .. ولهج صوتي بالدعاء وكل خلية مني ترتعد من فرط السعادة والشكر بهبة الله الغالية التي أودعها جسدي .. كيف أشكر هذه النعمة؟ .. وكيف أصونها؟ .. وكيف أخبر عمر؟ .. وماذا تكون ردة فعله؟ .. وكيف أخبر الجميع؟
أشعر أنـّني أريد أن أصرخ في الشارع وأوقف المارة وأخبرهم: أنااااااا حااااااااااااااامل ..
ا[اتنين متزوجين]ا – الحلقة العاشرة
قــال عمــر:رغم أنه حنون جداً على الأطفال، يمكن أكثر مني!! كيف هذا؟!! يمكن أنه يذكر ذلك كي لا يجرح مشاعري، أو أنه فعلاً لا يشتاق مثلي هذا الاشتياق الجنوني؟ لا أعرف .. يارب .. يارب ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق