ا[يوميات بابا عمر وماما سارة]ا - الحلقة العاشرة

قـال عمـر:
الشركة ستنظم حفلة بمناسبة حصولها على مناقصة عالمية وكل المهندسين وأسرهم سيحضرون .. فكرت في الإعتذار ولكني لم أستطع .. والغريبة إن سارة وافقت على الفور وتحمست جداً للحضور معي .. يا ترى شعرت بشيء؟! .. لا أظن ..
ولكنـّني لا أريد ان تجتمع سارة وآية في مكان واحد .. ربنا يستر ..

قـالت سـارة:
جاءتني فرصة الحفلة لأرى غريمتي عن قرب .. أشعر أن الله سيأخذ لي حقي .. ولكني عندما أراها سأحترق من الغيرة .. أخاف أن أقتلها والواد يحيى ما يلاقيش حد يربّيه ..
اشتريت فستان سهرة قمة في الأناقة وأرسلت يحيى إلى ماما من قبل الحفلة بعدة ساعات كي أتجهز وأحاول ان أريح أعصابي ولا أظهر لعمر توتري .. ولأول مرة أخذت ساعات في إرتداء ملابسي لأني في كل مرة لم أكن راضية عن مظهري .. آآآه .. عندما يفقدك اعز الناس لك ثقتك في نفسك .. من سيعطيها لك؟

وعندما جاء موعد الحفلة ورآني عمر بالفستان الجديد لم يغازلني كعادته إذا ارتديت شيئا جديدا ولكن رد بسرعة ودون إهتمام: آه حلو أوي .. يالاّ علشان إتأخرنا..!
وأخيييراً وصلنا الحفلة وكانت مقامة في فندق أنيق، والديكورات رائعة والموسيقى تريح الأعصاب، والجميع في أبهى صورهم .. لم نتبادل أنا وعمر إلا كلمات قليلة طوال الطريق وكل منا غارق في عالمه .. وأخذت أدور ببصري بحثا عن عدوتي اللدودة ولم أستغرق وقتا طويلا حتى عرفتها .. شابة جميلة جذابة المظهر وذات أناقة واضحة ولمسة مميزة في مظهرها .. وكالعادة يجتمع حولها الكثير وتستأثر هي بالحديث .. وأكد لي ظنوني لمعة عيون زوجي عندما رآها وكلامه المفاجيء بعد صمت عن جمال الجو ..!!!

قـال عمـر:
إعقل كده ياسي عمر وما تخلّيش سارة تاخد بالها .. والله أنا حاسس إن سارة حاسة بإعجابي بآية .. بس معقول؟ دي كانت بتعاملني كويس جداً الأيام اللي فاتت .. يبقي أحسن حاجة إني أتعامل طبييييعي جداً ..
يا ماشاء الله دي آية جاية بنفسها تسلم علينا .. أنا بأقول أنفد بجلدي وأهرب من هنا على الهند ..

قـالت سـارة:
كانت أول كلمات آية لنا هي: أهلا أهلا باشمهندس عمر .. عندك حق تخبّي عننا المدام .. ما شاء الله زي القمر ..
"أنا اللي قمر برضه .. منك لله يا شيخة" .. ورددت تحت أسناني: الله يكرمك إنتي اللي قمر يا باشمهندسة ..
قالت: على فكرة الباشمهندس عمر كلمنا عنك إنتي ويحيى كتير ..
"كمان؟!!! ما شاء الله بتكلموا في حاجات غير الشغل؟" .. ورددت بكيد أنثوي: أصل هو ما يقدرش يبعد عننا أبداً ..

قـال عمـر:
أوباااااا .. دخلنا في كيد الحريم .. لما أغيّر الموضوع أحسن ما نبات في القصر العيني ..

قـالت سـارة:
غيّر عمر الموضوع وأخذ يتكلم في الرياضة والسياسة والست هانم ماشاء الله لا تكف عن الكلام لحظة في أي موضوع .. ثقافتها وجاذبيتها لا توصف .. حتى لو سألتها عن سياسة موزمبيق الداخلية أكيد ح ترد ..
أخذت أدعو الله كيف أنتصر على هذه الفاتنة التي سحرت عقل زوجي وأنا إلى جواره؟ وأخذت أتكلم معها حديثا عادياً حتى سألتها سؤال غير مجري الأحداث تماماً: "عمر بيقول لي إنك متميزة جداً في شغلك يا آية .. ماشاء الله .. ياتري فكرتي تستمري في الشغل بعد الجواز والأولاد؟"
وكأني ضغطت على جرح قديم فقطبت جبينها وقالت: والله الظاهر إني ح أفضل أشتغل على طول ومش ح أفكر في الإرتباط تاني ..
وكأني وجدت كنزاً فلم أدع الخيط يفلت من يدي وقلت لها: تاني؟ إنتي إرتبطي قبل كده؟ معقولة؟
فردت بمرارة قديمة تفاجأ لها سي عمر: الحقيقة إتخطبت مرتين قبل كده وما حصلش نصيب .. بس الظاهر المشكلة فيّ أنا .. أنا مش بحب أبداً سيطرة الرجل الشرقي على زوجته .. يمكن علشان عشت برّة فترة .. لكن أول ما كانت تبدأ قائمة الأوامر والنواهي لسي السيد كنت أنهي العلاقة فوراً .. فلا أتخيل أبداً ألاّ أكون أنا صاحبة الرأي الأول والأخير في حياتي .. علشان كده مش عاوزة أخوض تجربة الإرتباط تاني ..
"الله الله الله قولي كمان ياست" .. لم أستطع أن أخفي سعادتي بخيبة أمل عمر لمعرفته جانب من شخصيتها تفاجأ له كثيراً .. ولكنـّني تظاهرت بالحزن لأجلها وانا أقول بخبث: بس الست بتلاقي سعادة كبيرة لما بتطيع زوجها وتحس إنها بتتنازل علشان ترضيه وينجح في حياته ..
فردت بملل كأنها تحادث إنسانة من القرن الماضي: لا أرجوكي بلاش الكلام الغريب ده اللي باسمعه من كل البنات هنا في مصر .. أنا شخصيتي كده ومش ح أتغير ..
*******
طبعا أنهيت الكلام معها بعد وعد أكيد إننا نكون أصدقاء للأبد .. وأخبرت عمر إني أريد أن أغادر الحفلة كي لا أتأخر عن يحيى .. وكان في حالة غريبة من عدم التوازن ومراجعة نفسه والخجل معاً ..
في السيارة تحدث بلهجة المذنب الذي ينتظر الإمساك به وقال لي وكأنـّه يداري خيبة أمله: على فكرة إنتي كنتي جميلة أوي النهاردة يا سارة .. ربنا يخليكي ليّا ..
فرددت بغضب لم يره مني من قبل: ياااه لسه فاكر؟ طيب أنا عاوزاك في كلمتين لما نروح يا عمر ..
*******
بدأ عمر بالكلام كي يدفعني أن اتكلم حتى ينتهي ترقّبه لما سأقول وقال ببراءة: إيه يا سارة مالك؟ إنتي من ساعة ما سبنا الحفلة وإنتي مش طبيعية .. فيه حاجة مضايقاكي؟
فانفجر البركان داخلي وصرخت فيه لبروده: وكمان بتسأل؟ لا ده إنت بجد عاوز تموّتني ..
علا صوته هو الآخر لتخويفي: فيه إيه ياسارة؟ إنتي بتزعقي كده ليه؟ أنا ما اسمحش إنك تكلميني كده ..
فلم أهتم بالتهديد وواصلت بقوة لم أعرفها في نفسي: شوف يا عمر ماتهددنيش .. أنا على طول باحترمك، وأطيعك، وأسمع كلامك .. لكن المرة دي أنا اللي ح أتكلم وإنت ح تسمعني .. وإنسى إنك بتكلم مراتك الطيبة الهادية واسمعني لحد ما اخلّص كلامي خالص ..
ولأول مرة ألمح نظرة تشبه الخوف في عيونه من حالتي الجنونية .. وقال لي: إهدي بس وبطّلي زعيق .. فيه إيه؟
حاولت تمالك أعصابي وقلت له: شوف يا عمر إحنا اتجوزنا بعض يمكن من غير قصة حب لكن ربنا أكرمنا وحبينا بعض .. والحب ده كبر مع عشرتنا وربنا رزقنا كمان بيحيى ورزقك شغل جديد .. والأهم من كده إن ربنا رزقنا طاعته وجمعنا في حبه .. صح؟
فأجاب: إيه يا سارة المقدمات دي كلها عاوزة تقولي إيه .. أنا عاوز أنام ..
فرددت بغيظ: تنام؟ .. يا عمر أنا بقالي أكتر من شهرين تقريبا مش بانام .. من أول ما إعجابك بالست آية بدأ ..
فتحول وجهه لألوان الطيف عند إلقائي القنبلة: آية؟ آية مين؟ إيه ياسارة التهريج ده .. أنا أعجب بآية؟
رديت بزهق من إنكاره: بص ياعمر إلست عندها رادار رهيب بتقدر تعرف إحساس جوزها رايح فين .. ويبقي غبي اللي يتجاهل الرادار ده ولا يفتكر إنها مش واخدة بالها .. شوف أنا من أول مرة حكيت لي عنها وانا حاسة إن فيه حاجة مش طبيعية .. لكن قلت مش معقول عمر يعمل كده .. لكن كل ما كانت تيجي سيرتها حالك كله يتقلب .. وكنت بتقارنها بيّ في كل حاجة .. حاولت أصبر لكن إنت كنت كل يوم بتبعد عني وبقيت في دنيا تانية خالص ..
اهتزت كلماته وحاول الإنكار ولكنه لم يستطع: يا سارة أنا ..
فقاطعته: بص يا عمر أرجوك ماتكدبش .. إعمل أي حاجة غير إنك تكدب .. أوعى تقع من نظري بكدبك ..
وكأنه طفل ضاق عليه الخناق ويريد الإعتراف بذنبه: لا مش ح أكدب ياسارة .. أنا فعلا ًأعجبت بيها لأنها فعلا شخصية مميزة .. لكن أنا مش خاين ياسارة .. إنتي معتبرة دي خيانة؟
فصرخت: لا والله؟ أمال دي إيه؟! والله لو كان إعجاب عادي ما كانش فرق معايا .. إحنا طول اليوم بنعجب بشخصيات ناس وبتفكيرهم وبثقافتهم .. لكن أول ما بندخل باب البيت بنسيبهم برة لأن العلاقة الزوجية حاجة مقدسة ما ينفعش ندخّل فيها شركاء ..
فرد بضعف لم أعهده فيه: يا سارة إنتي محسساني إنك قفشتينا في كازينو على النيل .. أقسم لك بالله إني عمري ما اتكلمت معاها أي كلام خاص .. حتى كلامي عنك وعن يحيى كان قدام كل المهندسين مش خاص ليها .. والله العظيم أنا بخاف ربنا في كل حاجة بس بجد غصب عني .. تواجدي معاها أوقات طويلة في الشغل خلاني أعجب بشخصيتها وتميزها .. حاولت أبعد عن تدريبها رفضوا .. أعمل إيه أنا مش حجر يا سارة ..
تحرك عطفي عليه وأخفضت من صوتي قليلاُ وسألته: طيب ليه من أول ما حسيت بالإحساس ده ما قلتليش؟
إبتسم وقال: أيوة علشان كنت ألاقي نفسي متقطع في أكياس سودة ..
فرددت بكرامتي المجروحة: طيب أنا قصرت في حاجة من حقوقك علشان تعجب بواحدة تانية يا عمر وكمان تقارنها بيّ؟
فرد بعناد: إنتي خلاص بقي يحيى رقم واحد في حياتك وأنا رقم اتنين ..
فهمست في سري: يادي الخيبة على عقل الرجالة .. ورديت: بص بلاش الحجة الخايبة دي اللي كل واحد بيبررها لنفسه علشان يعمل حاجة في دماغه .. لو كنت مهتمة بيحيى فدي حاجة تسعدك لأنه مش إبن جوزي الأولاني وإنت بتربيه .. ده إبنك .. ولازم أول فترة في حياتي يعتمد عليّ في كل حاجة .. لكن أتحداك إنك تقول إني أهملتك ..
رد: لا ما أهملتنيش لكن فين سارة بتاعة زمان المتوهجة اللي كلها ذكاء وثقافة وجاذبية؟
فأكلمت كلامه: وتسلّط .. ليه نسيت تقول ده؟ مش إنت بتقارنّي بآية؟ قارن بقي الحلو والوحش .. قارن لو كانت آية هي اللي مكاني كانت وقفت جنبك لحد ما تنجح في شغلك؟ ولا كانت سابت شغلها علشان خاطرك؟ ولا ضايفت والدتك وشالتها في عينيها .. بيتهيألي لو كانت عاشت هنا شهر واحد مش بس كانت سابتك .. لا .. كانت بلغت عنك الانتربول ..
أكملت: شوف يا عمر انا مش أحسن واحدة في الدنيا وفيّ عيوب كتير زي أي حد .. لكن ما ينفعش أساسا إننا نفتح باب مقارنة شريك الحياة بأي حد تاني حتى لو كان أحسن منه في كل حاجة .. ربنا سمى الشركة دي الميثاق الغليظ يعني زي العقدة المتينة اللي ما ينفعش إن حد تالت يدخل فيها .. لأننا لو فتحنا باب المقارنة يبقى بنفتح كل أبواب الشيطان لتدمير البيت .. إلا لو كنت ناوي تتجوز تاني دي تبقى حدوتة تانية ..
رد بفزع: أتجوز؟! إيه ده يا سارة إنتي خلاص خلتيني خاين وبادوّر على زوجة تانية؟ أنا فعلا بحبك ..
فرديت من بين دموعي: اللي بيحب حد يشوفه أحسن واحد في الدنيا .. حتى لو السنين غيرته .. لو مرض .. لو شعره شاب .. لو شكله إتغير .. لأنه أصلا بيعتبر وجوده في الدنيا مرتبط بحياته .. ما ينفعش يقارن بينه وبين أي حد لأنه أصلا مش شايف غيره .. زي أنا مش شايفة أي راجل في الدنيا غيرك ..
تحرك حنانه وحبه ولم يقوي على دموعي وإنهياري: أنا آسف يا سارة .. أنا بجد جرحتك غصب عني .. آسف .. عمري ما ح اعمل كده تاني أبداً ولو حتى بالتفكير .. والله الشيطان هو اللي ضخّم لي عيوبك وحسنها هي في نظري .. أنا فعلاً بعدت عن ربنا شوية من إنشغالى في الشغل الفترة اللي فاتت .. لكن أوعي تشكّي لحظة إني مش بحبك .. إعتبريها غلطة صغيرة من إبنك التاني ولو إتكررت إبقي إعملي اللي إنتي عاوزاه .. أنا عمري ما كدبت عليكي أبداً .. أرجوكي صدقيني المرة دي ومش ح تندمي ..
رق قلبي لكلامه وكدت أسامحه على الفور، ولكنـّني أحببت أن أشعره بكبر خطأه حتى لا يكررها .. فقلت: ح أحاول أصدقك لكن بجد أنا محتاجة فترة أكون فيها لوحدي علشان أستعيد ثقتي فيك وفي حياتنا .. ح اروح لماما كام يوم لحد ما أعصابي تهدأ ..
رد بحزم: لا أنا مش موافق ..
فرديت بعناد: عمر أنا محتاجة الفترة دي إننا نبعد عن بعض كام يوم .. وح أقول لماما إنك مسافر في شغل .. أنا بجد مش قادرة أقعد في البيت هنا .. ما تضغطش على أعصابي أرجوك ..
رد بحزن: زي ما تحبي يا سارة .. لكن أرجوكي خليكي متأكدة من حاجة واحدة .. إن قلبي عمره ما دخله واحدة غيرك ..



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Facebook Twitter Favorites More