فكرت سارة: الحمد لله مر اول يوم فى الدراسه على خير، احسن مما كنت اتوقع، كان الاطفال فى غاية الهدوء و قد كنت اتخيل اول يوم دراسى ملىء بالبكاء و الصراخ، لكن اعتيادهم على المدرسه من سنين من البدايه م متعه لهم و للمدرسين ايضاً، المشكله كانت فى الاستاذ يحيى، كل خمس دقائق يترك فصله و ياتى ليطرق باب فصلى لسبب ما
مره عايز استيكه يا ماما، مش عارفه استيكه ايه دى و هو لسه ما كتبش حاجه
و مره عايز ياكل .. ما الساندوتش معاك يا ابنى
و مره عايز يروح التواليت و ساعتها بصلى زى ما يكون بيقول اتصرفى فى دى يافالحه بقه
و كانت مدرسته طيبه جدا و بتسيبه ييجى عشان ما يعيطش و ما يزرجنش منها من اولها
ربنا يهديه
انما كل ده كوم و اللى حصل تانى يوم و احنا بنصحيه كوم تانى
عمر: ياللا يا يحيى يا حبيى عشان تروح المدرسه
انتفض يحيى جالسا على السرير: مدرسة ايه؟
عمر: مدرستك يا حبيبى انت نسيت ولا ايه
يحيى: حضرتك اللى نسيت يا بابا، ما رحت خلاص
لم يدر عمر و لا انا ماذا نفعل لكى نكتم الضحك الممزوج بالغضب
سارة: نعم يا خويا، ما رحت؟ انت فاكر ايه، المدرسه دى طول السنه، سنة ايه، طول العمر يا حبيبى الله يهديك اصحى بقه
يحيى: عاااااااااااااااااا لاااه انا عايز انااام، مش عايز اروح كل يوووم
و كان ذلك ايذانا ببداية المتاعب اليوميه التى استمرت فيما بعد و كل يوم حجه شكل
عمر: قوم يا يحيى يا حبيب بابا عشان تروح المدرسه
يحيى: مش حاروح النهارده يا بابا
عمر: ليه يا ابنى
يحيى: عشان فى رحله و انا مش عايز اروح رحله انا
و طبعا لم يغير ذلك من الواقع شيئاً وقام يحيى لمدرسته
و فى اليوم التالى
يحيى: مش حاروح النهارده عشان فى حفله و انا ما باحبش حفله
و كالعاده قام يحيى و راح المدرسه زى الجدع
و اخيرا
يحيى: مش حاروح النهارده عشان فى اذاعه
الى هنا و جن جنون عمر: يا ابنى الاذاعه دى كل يوم، الرحمه بقه، انا دافع دم قلبى فى المدرسه دى عشان كل يوم تطلع لى بحجه شكل
و استمر يحي حتى عرف فى لحظة سحريه انه لا فائده، و يأس تماماً و لم يعد يأتى باى نوع من الحجج مره اخرى، بل اصبح يقوم من نومه بلا مشاكل غالباً فيما عدا بعض العكننه التى اختفت تدريجيا بعدما اعتاد النوم مبكراً و الاستيقاظ مبكراً
فكر عمر: الحمد لله اخيراً يحيى ربنا هداه و اقتنع بكل ما يقتنع به الاطفال بعد زمن طال او قصر
انه لا بد و لا مفر و لا مناص و لا محيص و لا مندوحه على راى استاذ سيد بتاع العربى من انه يروح المدرسه كل يوم
لكن بعد ما كان حايجيبلى العصبى، خاصة ان سارة كانت ساعات تضطر تنزل بدرى شويه و تسيبنى اعيش حياتى معاه لحد ما يلبس و ينزل
و كله كوم و السكرتيره بتاعته كوم تانى
الست مريم
كل يوم تكرر نفس السيناريو
تصحى يوميا مع يحيى و تجيبله الجزمه و الشراب و تساعده فى وضع الساندوتش فى الحقيبه و هى واثقه تمام الثقه انها ستنزل معه الى المدرسه، و كانت دائما ما ترتدى ملابس تعتقد لسبب ما انها مناسبه، فردة شراب مامتها على تى شيرت عمر على طرحة ماما، اكيد واثقه و الا فلماذا تبكى هذه البكاء الهيستيرى حين ينزل و يتركها و تظل تردد ملثه ملثه ملثه
يا عينى عليك يا عمر، بكره هى رخره تدخل المدرسه بعد ما تطلع عينيك و بعدين تقولك تانى يوم ما رحت خلاص
لكن الحمد لله ماما بتقول انها بعد شويه بتهدا و تنام تانى و بتكون ملاك و احنا مش فى البيت، و عمرها ما بتضايقها فى حاجه خالص
لكن سارة تزداد انشغالاً كل يوم، و تزداد بعداً عنى
يعنى مش لاقى مراتى اللى كانت بتنتظرنى بشوق كل يوم عشان اعطف عليها و اكلمها كلمتين، خلاص بقيت انا اللى بحاول اشحت منها الكلام
سبحانه من له الدوام، و ما كانش عاجبنى زمان و كنت باتبطر
لكن فعلاً بدات احس باختلاف فى شخصيتها، اصبحت اكثر انفتاحاً و مناقشاتنا اصبح لها طعم اخر، مجرد نزولها كل يوم، جعلها تكتسب خبرات جديده لم تكن موجوده من قبل
غير حاجه تانيه بقه، الاستقلال المادى التام، و لاول مره منذ زمن طويل، احس انها استغنت عنى تماما، لا تطلب حتى اقل القليل، و اللى انا مستغربه رغم ان مرتبها مش ضخم اوى، هى اناقتها الغريبه اليوميه، نزلت اشترت مجموعة ملابس و اصبحت كل يوم اشوفها اشيك من اللى قبله، ازاى ما اعرفش، و ما سالتش، هو انا ناسى حكاية الشنطه، يا عم عمر كل عيش و اسكت
سارة: ما كنتش فاكره الشغل لذيذ اوى كده، حقيقى كل يوم باحس انى باحب الشغله دى اكتر، لما اتامل كل طفله و طفل فى الفصل باحس زى ما يكون شايفه ماماته و باباه و حتى بيتهم باحس انى ممكن اكون دخلته، حقيقى الام الشاطره بيظهر ده على اظافر و شعر و ملابس طفلها، خاصةً انى بادرس للمرحله الابتدائيه، يعنى الطفل لا يملك من امره الا ما تفعله له امه
و احلى لحظه فى اليوم هى لحظة دخولى الفصل و تجمع الاطفال حولى، كل واحد فيهم يرينى شيئاً
شفتى الاستيكر يا ميس
انا جلدت الكراسه احمر يا ميس
ايه راى حضرتك فى توكتى الجديده يا ميس
كم من البراءه و النقاء يندر تواجده فى مكان واحد فى هذا العالم المادى، و لكى اعيد للفصل نظامه، احضرت صفاره صغيره، حين اصفر فيها بصوت منخفض مره واحده قصيره، يعود الجميع الى قواعدهم، كنت قد قررت الا اجعل صوتى يعلو او انهرهم خاصة فى اول الحصه، لذلك ابتكرت موضوع الصفاره الصغيره التى تعلم الاطفال حين يسمعونها ان يعودوا كل الى مكانه
قبل ذلك الاختراع كنت اعود انا يوميا بصوت مبحوح و امضى باقى اليوم فى شرب الينسون استعداداً لجولة اليوم التالى
شىئ اخراكتشفته فى المدرسات زميلاتى
ماسورة جمعيات و انفجرت فى المدرسه، جمعيات يوميه و اسبوعيه و شهريه و حاسه ان فاضل نعمل جمعيه بالساعه، و نظراَ لانى جديده فى المدرسه، عملولى هديه، انى اقبض الاول، و كنت محتاجه الموضوع ده جدا
الست لما بتقعد سنين فى البيت، مش حاقول بتهمل مظهرها، لكن هى لا تحتاج للظهور اليومى، لذلك كنت اكتفى بطقمين تلاته و كانوا مغرقين الدنيا لقلة خروجى، لكن لما اكون مضطره للنزول كل يوم، مش هالاحق على الموضوع خالص
بالاضافه الى انى فى خلال الاسبوع صعب اغسل و اكوى، عشان كده لازم يكون عندى خمسة اطقم جاهزه لخمسة ايام على الاقل، و نهاية الاسبوع باخصصها للغسل و الكى
و اى ست عارفه يعنى ايه طقم تشتريه محجبه، يعنى البلوزه و الجيب و الجاكيت و الكارينا عشان رقبتها ما تظهرش و الايشارب و احيانا اتنين ملفوفين مع بعض و الباندانات حتى لا ينزلق الايشارب فيظهر شعرى اثناء العمل، غير الحذاء و الحقيبه، و الشرابات اللى الست مريم غاويه تلبسهم فى دماغها زى الحراميه غير انهم اصلا كلينكس بيستعملوا مره واحده، هم ما يتلم
و انا مش عايزه من اولها اطلب من عمر فلوس و ارهقه، عشان كده اخدت فلوس الجمعيات و قررت اعمل اسلوب كنت باتبعه زمان فى الجامعه، و هو انى دايما يكون عندى اتنين او تلاته جيب بالوان محايده مثل الاسود او الجينز او البنى ساده
و كذلك واحده بالوان مشكله، و بعدين بلوزات ساده و اخرى منقوشه و بتطبيق اساليب التباديل و التوافيق و تغيير الوان الايشاربات كنت احصل على طقم جديد كل يوم لمدة عشر ايام
المهم الذوق و ليس العدد، خاصة ان الموضات الجديده اتاحت البنى مع الوردى او مع اللبنى، و كنت اختار احذيتى غالباً بكعب متوسط او منخفض، بعد ما قاسيت من الكعب العالى الذى جربته يوماً، اما الحقائب، فقد اكتشفت بعد التجربه، انه لا جدوى لتغيير الحقائب يومياً، كل يوم انسى حاجه لما انقل من شنطه لشنطه، لذلك اكتفيت بانى جبت شنطه كبيره محترمه لونها بنى فى اسود، تمشى مع جميع الملابس، و قد ايه كنت بافرح كل يوم و انا باشوف الاعجاب فى عينين عمر باناقتى و احتشامى فى ذات الوقت، اكيد هو فى غاية السعاده بزوجته المدبره .
عمر: مر اسبوعان على بدء الدراسه، و كل يوم ارى سارة تزداد جمالاً و اناقه و تالق بالرغم من انشغالها معظم النهار، لكنها ايضاً تزداد بعداً عنى، و زاد على ذلك حل واجبات المدرسه ليحيى الذى يستغرق وقتا طويلا فى المحايله، كذلك مريم التى تكون فى عز احتياجها لحنان سارة بعد غيابها عنها معظم اليوم، لذلك لا تنزل من على كتفها تقريباً و تظل ملتصقه بها معظم الوقت، الغريب ان مريم عادت للنوم بجانبنا بعد ان كانت استقلت فى غرفتها مع يحيى، ربنا يستر
رمضان الاسبوع الجاى ان شاء الله، و كل سنه حايتقدم، يعنى سنة الفين و تمانيه ان شاء الله حايكون قبل الدراسه و فى عز الصيف كمان، و زادت الطلبات جداً، و الله رحت السوبرماركت ســألت نفسى، هل رمضان شهر الصوم ام شهر الاكل؟
كمية البشر المتوافده على السوبر ماركت و كم الطلب على البضاعه بصرف النظر عن الغلاء، حاجه تجنن، و كمان السنه دى رمضان جه بعد الدراسه ما بدات بوقت قليل، فللاسف كان لسه تكاليف بداية المدارس، و مع ذلك لم يثن ذلك الشعب المصرى الاصيل عن الانهيار المفاجىء على بضائع رمضان
انت بتقول ايه يا عمر ما انت كمان داخل تشترى اهوه
لا و الله، انا هبدأ بنفسى الأول، و ادى القايمه الطويله العريضه اللى كتبتها ماما و الست سارة
و قطع عمر القائمه و دخل بخطى ثابته للسوبرماركت ليشترى بضائع الشهر التى اعتادها و لم يلق بالا للمكسرات و لا الياميش، لقد قرر ذلك و سيتحمل العواقب مهما كانت
و دخل الاسد الهمام المنزل بدون طلبات رمضان، فقط العادى من الزيت و السكر و الارز و شنطه صغيره احضرها من العطار
دخلت امه و سارة الى المطبخ بفرحه لفتح الاكياس و بعد برهه
لاول مره يراهما عمر متحدتان لدرجة انهما فى صوت واحد صرختا فيه: ايه ده بقه ان شاء الله، فين طلبات رمضان؟؟؟؟؟؟؟
عمر: هو رمضان طلب ايه، فكرونى كده
سارة: ايه يا عمر كل سنه و انت طيب، رمضان بيحتاج شوية مكسرات على شوية ياميش يعنى، قمر الدين، تين، فزدق
عمر: انا مش مقتنع يا سارة بكل الحاجات دى، انا عديت على العطار و فى كيس حتلاقى فيه عرقسوس و تمر هندى و كركديه، و جبت لك لفتين قمر الدين، لكن المكسرات دى غاليه جدا و انتو طالبين ميت نوع، حددوا نفسكم كده و انا اجيب، لكن احنا لسه طالعين من خنقة دخول المدارس و عايز اجيب الضرورى بس
الام: خلاص يا ابنى انا حاجيب الحاجات دى على حسابى، يا عيب الشوم، ازاى يعنى نقعد ساعة الفطار من غير خشاف و مهلبية قمر الدين و قطايف و كنافه
عمر: يا ماما فلوسك و فلوسى واحد، انا ما قصدش، انا اقصد ان حرام نحط كل الاصناف دى على السفره فى يوم واحد بدل ما نخلص الفلوس على الحلويات و التخن، نكتفى بصنف واحد من الحاجات دى كل يوم، يعنى مره خشاف، مره قطايف، و اللى حايتوفر مش حاشيله فى جيبى، احنا بس حانفطر عيله صغيره فقيره معانا كل يوم، ان شالله نعملهم فرخه و شوية رز، احسن من الفلوس اللى بتروح فى الفاضى دى
الام: يا حبيبى ما نعمل ده و ده، احنا فى شهر الخير و من افطر صائماً فله مثل اجره، لكن دى عاده
عمر: ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين، انا عمرى ما افتكر اننا خلصنا صينية كنافه مثلاً، عشان كده بس نعمل جدول على قدنا كده و نشوف لو عملنا كل يوم صنف حانحتاج قد ايه من كل نوع، فيها حاجه دى؟
سارة: لا يا عمر، عندك حق، انا حاعمل المقايسه دى و اقولك بالضبط و كلامك صح، ساعة الفطار الواحد بياكل لقمه و يحس بالتخمه و يقوم، مش عيب اننا نعترف بغلطتنا يا طنط
احس عمر بالانتصار و قامت سارة لاعداد القائمه التموينيه الجديده دون تبذير او اسراف، بينما ظلت الام تمصمص شفتيها و تترحم على والد عمر زين الرجال اللى كان مغرقها فى الياميش و لسان حال عمر يقول، ده كان ايام الرخص يا امى
و فى ليلة الرؤيه و بعد ان تاكد ان رمضان غداً، ابتهج الاطفال، و وضع عمر فانوساً كبيراً فى البلكونه و اناره بلمبه كهربائيه كان قد اشتراه من خان الخليلى و فرح به يحيى و استغنى عن الفوانيس المزعجه التى تغنى و ترقص و فرح جدا بهذا الفانوس الكبير الذى يفوق حجمه كل الفوانيس التى اشتراها فى حياته و التى قامت سارة باخراجها من الخزنه بداخل سريره و تركيب بطاريات لها فعادت كالجديده
و جلست الاسره الصغيره الى المائده ساعة السحور و النوم فى عينى يحيى يذكر عمر بنفسه و هو طفل، و يتامل مريم و قد قامت معهم حين سمعتهم، و الكل يتناول سحوره، ياه، تلك اللحظات لا ينساها ابداً، و تذكر والده و ترحم عليه، حين كان يجبرهم على السحور برغم تبرمهم جميعاً و رغبتهم الشديده فى العوده للنوم، لكن والده كان يصر على السحور حتى يفيق الابناء و يستطيعون اداء صلاة الفجر
و صلى اهل البيت الفجر جماعه، امهم فيها عمر، و حتى يحيى توضـأ للصلاه بعد ان قرر ان يصوم لاول مره فى حياته، لكن الى منتصف اليوم فقط كتدريب له
و فى المدرسه دخلت سارة الفصل لتفاجـأ باحدى التلميذات تسألها:
حاتتفرجى على مسلسل يسرا يا ميس، ولا مسلسل حنان ترك، ده حاييجى على دبي ساعة الفطار، ده اسمه على اسم حضرتك، اسمه سارة
التفتت سارة للطفله و طلبت اليهم كلهم الجلوس و الاستماع اليها و سالتهم
سارة: كل سنه و انتم طيبين يا حبايبى، هو رمضان بييجى كام مره فى السنه
رد الاطفال: مره واحده يا ميس
سارة: و الحاجه اللى بتيجى مره واحده دى لازم نستفيد منها ولا ما نستفيدش؟
ردت احدى التلميذات: ما احنا بنستفيد يا ميس، ده احلى شهر فى السنه، بييجى فيه بكار و ظاظا، و انا بحب كمان تامر و شوقيه
سارة: طيب ما المسلسلات دى طول السنه مش زى رمضان اللى بييجى مره واحده
ردت الطفله: بس عمرهم ما بييجو فى وقت واحد كده بييجو متفرقين
سارة: طيب يا حبايبى هما بييجو تانى لكن رمضان لو راح من غير ما نستفيد منه مش حايرجع تانى، و المطلوب منا فى رمضان مش الفرجه ع التلفزيون، لا، مطلوب نعبد ربنا اكتر و نقرب منه اكتر
قام طفل من مكانه و قال: بس انا مش عارف يا ميس ليه بيختاروا شهر رمضان بالذات و يعملوا فيه المسلسلات دى، ده ظلم و الله، ما يختاروا شهر تانى
ردت سارة باسمه: تصدق يا شادى انا بسال نفسى السؤال ده كتير اوى، اشمعنى فى رمضان، ما يعملوا الكلام ده فى فبراير مثلا، يعنى فوازير فبراير و مسلسلات فبراير و كده ليه دايماً رمضان؟ و بعدين اكتشفت ليه
ضحك شادى و باقى الاطفال و سالوا: ليه يا ميس
سارة: عشان ده اختبار اكبر للمسلمين، يمكن ربنا ساب المسلسلات تزيد كده عشان يشوف مين فينا اللى ايمانه اقوى، و اللى يقدر على انه يتحكم فى نفسه و يسيب كل ده و يحب ربنا اكتر منه، انا مش باقول ما تتفرجوش خالص، لا طبعاً، بس كل واحد ينقى حاجه او حاجتين بيحبهم و يتابعهم كل يوم، و حتى نقول لماما و بابا كده عشان يساعدونا، و نحاول نقعد مع عيلتنا و نتكلم عن الدين و عن ربنا سبحانه و تعالى و نصلى، و نقرأ القران و ممكن نروح مع ماما او بابا صلاة التراويح فى الجامع
انا حاعملكم مسابقه النهارده
و اخرجت سارة لوحه كبيره عكفت اياماً عليها تحتوى على اسم كل طالب و امامه ثلاثون خانه فارغه على شكل جدول كبير
و قالت: كل واحد فيكم شايف اسمه، حنحاول نقرا قران كلنا على قد ما نقدر، و كل ما نخلص جزء، نعلم علامه عليه قدام الاسم، و نشوف مين فينا قدر يكسب و يختم القران كله الاول، ايه رايكم، و دى ممكن نعملها كل شهر مش بس فى رمضان، انتم معظمكم صايمين و فى البريك مش حاتاكلوا، ممكن نبدا من النهارده، خلال البريك حانقعد فى الفصل عشان الحر و كل واحد معاه مصحف و نقرا على قد ما نقدر و نكمل فى البيت، و بكره كل واحد فيكم يجيب معاه مصحف خاص به من اللى فيه علامه بداخله عشان كل واحد يعرف هو قرا لحد فين
هلل التلاميذ فرحين، و قرروا ان يبدأوا من اليوم، و فى اثناء رحلة العوده من المدرسه، كان حديث الطلبه مع بعضهم فى الباص عن المسلسلات، لكن تلاميذ فصول سارة كانوا منشغلين اكثر بالمسابقه و بالوقت المناسب لقراءة القران بحيث يتسلون اثناء الصيام فتمر ساعاته بسرعه
فى ذلك اليوم احست سارة انها ليست مجرد معلمه، احست انها صاحبة رساله، و ان الله تعالى سيظل معها و سيجازيها خيراً عما صنعت، صحيح انها ليست مدرسة تربيه دينيه، لكن الدين ليس مجرد جزء من منهج تعليمى بل هو اسلوب حياه
و خرجت سارة مع العائله للافطار عند والدتها فى ذلك اليوم، و وصلوا مبكراً للمساعده فى تحضير الطعام
رن جرس الهاتف قبل الافطار بقليل
ردت ام سارة: ايوه يا اسراء يا حبيبتى كل سنه و انت طيبه
ثم بدات فى البكاء كالعاده
اخذت منها سارة السماعه: ايوه يا اسراء كان نفسنا تكونى معانا يا حبيبتى
ثم لاحظت سارة اختناق صوت شقيقتها بطريقة غريبه فقالت: مالك يا اسراء انت عيانه
اسراء: لا يا سارة انا مخنوقه و تعبانه اوى، انا عاوزه انزل مصر يا سارة
سارة: ده انت لسه ماشيه ما كملتيش شهرين يا حبيبتى
اسراء: انا عايزه اجى اولد فى مصر، ما حدش هنا يخدمنى ولا ياخد باله منى
سارة: طيب يا حبيبتى انت فين و الولاده فين ده لسه كام شهر
اسراء: ماهو حازم رافض المبدا من اساسه يا سارة، عاوزنى افضل هنا عشان ما اخدش اجازه من الشغل الا على قد الوضع بس، لكن لو سافرت من قبلها حاضطر انى اسيب الشغل و ده طبعا مستحيل بالنسبه له عشان خطته و جدوله الزمنى، وانا تعبانه اوى يا سارة، عاوزاكم جنبى، انا كارهه الغربه، كل حاجه بتلمع و منوره، لكن بلد من غير قلب، انا عاوزه ارجع اولد فى مصر، عاوزه ماما .. محتاجاها
مره عايز استيكه يا ماما، مش عارفه استيكه ايه دى و هو لسه ما كتبش حاجه
و مره عايز ياكل .. ما الساندوتش معاك يا ابنى
و مره عايز يروح التواليت و ساعتها بصلى زى ما يكون بيقول اتصرفى فى دى يافالحه بقه
و كانت مدرسته طيبه جدا و بتسيبه ييجى عشان ما يعيطش و ما يزرجنش منها من اولها
ربنا يهديه
انما كل ده كوم و اللى حصل تانى يوم و احنا بنصحيه كوم تانى
عمر: ياللا يا يحيى يا حبيى عشان تروح المدرسه
انتفض يحيى جالسا على السرير: مدرسة ايه؟
عمر: مدرستك يا حبيبى انت نسيت ولا ايه
يحيى: حضرتك اللى نسيت يا بابا، ما رحت خلاص
لم يدر عمر و لا انا ماذا نفعل لكى نكتم الضحك الممزوج بالغضب
سارة: نعم يا خويا، ما رحت؟ انت فاكر ايه، المدرسه دى طول السنه، سنة ايه، طول العمر يا حبيبى الله يهديك اصحى بقه
يحيى: عاااااااااااااااااا لاااه انا عايز انااام، مش عايز اروح كل يوووم
و كان ذلك ايذانا ببداية المتاعب اليوميه التى استمرت فيما بعد و كل يوم حجه شكل
عمر: قوم يا يحيى يا حبيب بابا عشان تروح المدرسه
يحيى: مش حاروح النهارده يا بابا
عمر: ليه يا ابنى
يحيى: عشان فى رحله و انا مش عايز اروح رحله انا
و طبعا لم يغير ذلك من الواقع شيئاً وقام يحيى لمدرسته
و فى اليوم التالى
يحيى: مش حاروح النهارده عشان فى حفله و انا ما باحبش حفله
و كالعاده قام يحيى و راح المدرسه زى الجدع
و اخيرا
يحيى: مش حاروح النهارده عشان فى اذاعه
الى هنا و جن جنون عمر: يا ابنى الاذاعه دى كل يوم، الرحمه بقه، انا دافع دم قلبى فى المدرسه دى عشان كل يوم تطلع لى بحجه شكل
و استمر يحي حتى عرف فى لحظة سحريه انه لا فائده، و يأس تماماً و لم يعد يأتى باى نوع من الحجج مره اخرى، بل اصبح يقوم من نومه بلا مشاكل غالباً فيما عدا بعض العكننه التى اختفت تدريجيا بعدما اعتاد النوم مبكراً و الاستيقاظ مبكراً
فكر عمر: الحمد لله اخيراً يحيى ربنا هداه و اقتنع بكل ما يقتنع به الاطفال بعد زمن طال او قصر
انه لا بد و لا مفر و لا مناص و لا محيص و لا مندوحه على راى استاذ سيد بتاع العربى من انه يروح المدرسه كل يوم
لكن بعد ما كان حايجيبلى العصبى، خاصة ان سارة كانت ساعات تضطر تنزل بدرى شويه و تسيبنى اعيش حياتى معاه لحد ما يلبس و ينزل
و كله كوم و السكرتيره بتاعته كوم تانى
الست مريم
كل يوم تكرر نفس السيناريو
تصحى يوميا مع يحيى و تجيبله الجزمه و الشراب و تساعده فى وضع الساندوتش فى الحقيبه و هى واثقه تمام الثقه انها ستنزل معه الى المدرسه، و كانت دائما ما ترتدى ملابس تعتقد لسبب ما انها مناسبه، فردة شراب مامتها على تى شيرت عمر على طرحة ماما، اكيد واثقه و الا فلماذا تبكى هذه البكاء الهيستيرى حين ينزل و يتركها و تظل تردد ملثه ملثه ملثه
يا عينى عليك يا عمر، بكره هى رخره تدخل المدرسه بعد ما تطلع عينيك و بعدين تقولك تانى يوم ما رحت خلاص
لكن الحمد لله ماما بتقول انها بعد شويه بتهدا و تنام تانى و بتكون ملاك و احنا مش فى البيت، و عمرها ما بتضايقها فى حاجه خالص
لكن سارة تزداد انشغالاً كل يوم، و تزداد بعداً عنى
يعنى مش لاقى مراتى اللى كانت بتنتظرنى بشوق كل يوم عشان اعطف عليها و اكلمها كلمتين، خلاص بقيت انا اللى بحاول اشحت منها الكلام
سبحانه من له الدوام، و ما كانش عاجبنى زمان و كنت باتبطر
لكن فعلاً بدات احس باختلاف فى شخصيتها، اصبحت اكثر انفتاحاً و مناقشاتنا اصبح لها طعم اخر، مجرد نزولها كل يوم، جعلها تكتسب خبرات جديده لم تكن موجوده من قبل
غير حاجه تانيه بقه، الاستقلال المادى التام، و لاول مره منذ زمن طويل، احس انها استغنت عنى تماما، لا تطلب حتى اقل القليل، و اللى انا مستغربه رغم ان مرتبها مش ضخم اوى، هى اناقتها الغريبه اليوميه، نزلت اشترت مجموعة ملابس و اصبحت كل يوم اشوفها اشيك من اللى قبله، ازاى ما اعرفش، و ما سالتش، هو انا ناسى حكاية الشنطه، يا عم عمر كل عيش و اسكت
سارة: ما كنتش فاكره الشغل لذيذ اوى كده، حقيقى كل يوم باحس انى باحب الشغله دى اكتر، لما اتامل كل طفله و طفل فى الفصل باحس زى ما يكون شايفه ماماته و باباه و حتى بيتهم باحس انى ممكن اكون دخلته، حقيقى الام الشاطره بيظهر ده على اظافر و شعر و ملابس طفلها، خاصةً انى بادرس للمرحله الابتدائيه، يعنى الطفل لا يملك من امره الا ما تفعله له امه
و احلى لحظه فى اليوم هى لحظة دخولى الفصل و تجمع الاطفال حولى، كل واحد فيهم يرينى شيئاً
شفتى الاستيكر يا ميس
انا جلدت الكراسه احمر يا ميس
ايه راى حضرتك فى توكتى الجديده يا ميس
كم من البراءه و النقاء يندر تواجده فى مكان واحد فى هذا العالم المادى، و لكى اعيد للفصل نظامه، احضرت صفاره صغيره، حين اصفر فيها بصوت منخفض مره واحده قصيره، يعود الجميع الى قواعدهم، كنت قد قررت الا اجعل صوتى يعلو او انهرهم خاصة فى اول الحصه، لذلك ابتكرت موضوع الصفاره الصغيره التى تعلم الاطفال حين يسمعونها ان يعودوا كل الى مكانه
قبل ذلك الاختراع كنت اعود انا يوميا بصوت مبحوح و امضى باقى اليوم فى شرب الينسون استعداداً لجولة اليوم التالى
شىئ اخراكتشفته فى المدرسات زميلاتى
ماسورة جمعيات و انفجرت فى المدرسه، جمعيات يوميه و اسبوعيه و شهريه و حاسه ان فاضل نعمل جمعيه بالساعه، و نظراَ لانى جديده فى المدرسه، عملولى هديه، انى اقبض الاول، و كنت محتاجه الموضوع ده جدا
الست لما بتقعد سنين فى البيت، مش حاقول بتهمل مظهرها، لكن هى لا تحتاج للظهور اليومى، لذلك كنت اكتفى بطقمين تلاته و كانوا مغرقين الدنيا لقلة خروجى، لكن لما اكون مضطره للنزول كل يوم، مش هالاحق على الموضوع خالص
بالاضافه الى انى فى خلال الاسبوع صعب اغسل و اكوى، عشان كده لازم يكون عندى خمسة اطقم جاهزه لخمسة ايام على الاقل، و نهاية الاسبوع باخصصها للغسل و الكى
و اى ست عارفه يعنى ايه طقم تشتريه محجبه، يعنى البلوزه و الجيب و الجاكيت و الكارينا عشان رقبتها ما تظهرش و الايشارب و احيانا اتنين ملفوفين مع بعض و الباندانات حتى لا ينزلق الايشارب فيظهر شعرى اثناء العمل، غير الحذاء و الحقيبه، و الشرابات اللى الست مريم غاويه تلبسهم فى دماغها زى الحراميه غير انهم اصلا كلينكس بيستعملوا مره واحده، هم ما يتلم
و انا مش عايزه من اولها اطلب من عمر فلوس و ارهقه، عشان كده اخدت فلوس الجمعيات و قررت اعمل اسلوب كنت باتبعه زمان فى الجامعه، و هو انى دايما يكون عندى اتنين او تلاته جيب بالوان محايده مثل الاسود او الجينز او البنى ساده
و كذلك واحده بالوان مشكله، و بعدين بلوزات ساده و اخرى منقوشه و بتطبيق اساليب التباديل و التوافيق و تغيير الوان الايشاربات كنت احصل على طقم جديد كل يوم لمدة عشر ايام
المهم الذوق و ليس العدد، خاصة ان الموضات الجديده اتاحت البنى مع الوردى او مع اللبنى، و كنت اختار احذيتى غالباً بكعب متوسط او منخفض، بعد ما قاسيت من الكعب العالى الذى جربته يوماً، اما الحقائب، فقد اكتشفت بعد التجربه، انه لا جدوى لتغيير الحقائب يومياً، كل يوم انسى حاجه لما انقل من شنطه لشنطه، لذلك اكتفيت بانى جبت شنطه كبيره محترمه لونها بنى فى اسود، تمشى مع جميع الملابس، و قد ايه كنت بافرح كل يوم و انا باشوف الاعجاب فى عينين عمر باناقتى و احتشامى فى ذات الوقت، اكيد هو فى غاية السعاده بزوجته المدبره .
عمر: مر اسبوعان على بدء الدراسه، و كل يوم ارى سارة تزداد جمالاً و اناقه و تالق بالرغم من انشغالها معظم النهار، لكنها ايضاً تزداد بعداً عنى، و زاد على ذلك حل واجبات المدرسه ليحيى الذى يستغرق وقتا طويلا فى المحايله، كذلك مريم التى تكون فى عز احتياجها لحنان سارة بعد غيابها عنها معظم اليوم، لذلك لا تنزل من على كتفها تقريباً و تظل ملتصقه بها معظم الوقت، الغريب ان مريم عادت للنوم بجانبنا بعد ان كانت استقلت فى غرفتها مع يحيى، ربنا يستر
رمضان الاسبوع الجاى ان شاء الله، و كل سنه حايتقدم، يعنى سنة الفين و تمانيه ان شاء الله حايكون قبل الدراسه و فى عز الصيف كمان، و زادت الطلبات جداً، و الله رحت السوبرماركت ســألت نفسى، هل رمضان شهر الصوم ام شهر الاكل؟
كمية البشر المتوافده على السوبر ماركت و كم الطلب على البضاعه بصرف النظر عن الغلاء، حاجه تجنن، و كمان السنه دى رمضان جه بعد الدراسه ما بدات بوقت قليل، فللاسف كان لسه تكاليف بداية المدارس، و مع ذلك لم يثن ذلك الشعب المصرى الاصيل عن الانهيار المفاجىء على بضائع رمضان
انت بتقول ايه يا عمر ما انت كمان داخل تشترى اهوه
لا و الله، انا هبدأ بنفسى الأول، و ادى القايمه الطويله العريضه اللى كتبتها ماما و الست سارة
و قطع عمر القائمه و دخل بخطى ثابته للسوبرماركت ليشترى بضائع الشهر التى اعتادها و لم يلق بالا للمكسرات و لا الياميش، لقد قرر ذلك و سيتحمل العواقب مهما كانت
و دخل الاسد الهمام المنزل بدون طلبات رمضان، فقط العادى من الزيت و السكر و الارز و شنطه صغيره احضرها من العطار
دخلت امه و سارة الى المطبخ بفرحه لفتح الاكياس و بعد برهه
لاول مره يراهما عمر متحدتان لدرجة انهما فى صوت واحد صرختا فيه: ايه ده بقه ان شاء الله، فين طلبات رمضان؟؟؟؟؟؟؟
عمر: هو رمضان طلب ايه، فكرونى كده
سارة: ايه يا عمر كل سنه و انت طيب، رمضان بيحتاج شوية مكسرات على شوية ياميش يعنى، قمر الدين، تين، فزدق
عمر: انا مش مقتنع يا سارة بكل الحاجات دى، انا عديت على العطار و فى كيس حتلاقى فيه عرقسوس و تمر هندى و كركديه، و جبت لك لفتين قمر الدين، لكن المكسرات دى غاليه جدا و انتو طالبين ميت نوع، حددوا نفسكم كده و انا اجيب، لكن احنا لسه طالعين من خنقة دخول المدارس و عايز اجيب الضرورى بس
الام: خلاص يا ابنى انا حاجيب الحاجات دى على حسابى، يا عيب الشوم، ازاى يعنى نقعد ساعة الفطار من غير خشاف و مهلبية قمر الدين و قطايف و كنافه
عمر: يا ماما فلوسك و فلوسى واحد، انا ما قصدش، انا اقصد ان حرام نحط كل الاصناف دى على السفره فى يوم واحد بدل ما نخلص الفلوس على الحلويات و التخن، نكتفى بصنف واحد من الحاجات دى كل يوم، يعنى مره خشاف، مره قطايف، و اللى حايتوفر مش حاشيله فى جيبى، احنا بس حانفطر عيله صغيره فقيره معانا كل يوم، ان شالله نعملهم فرخه و شوية رز، احسن من الفلوس اللى بتروح فى الفاضى دى
الام: يا حبيبى ما نعمل ده و ده، احنا فى شهر الخير و من افطر صائماً فله مثل اجره، لكن دى عاده
عمر: ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين، انا عمرى ما افتكر اننا خلصنا صينية كنافه مثلاً، عشان كده بس نعمل جدول على قدنا كده و نشوف لو عملنا كل يوم صنف حانحتاج قد ايه من كل نوع، فيها حاجه دى؟
سارة: لا يا عمر، عندك حق، انا حاعمل المقايسه دى و اقولك بالضبط و كلامك صح، ساعة الفطار الواحد بياكل لقمه و يحس بالتخمه و يقوم، مش عيب اننا نعترف بغلطتنا يا طنط
احس عمر بالانتصار و قامت سارة لاعداد القائمه التموينيه الجديده دون تبذير او اسراف، بينما ظلت الام تمصمص شفتيها و تترحم على والد عمر زين الرجال اللى كان مغرقها فى الياميش و لسان حال عمر يقول، ده كان ايام الرخص يا امى
و فى ليلة الرؤيه و بعد ان تاكد ان رمضان غداً، ابتهج الاطفال، و وضع عمر فانوساً كبيراً فى البلكونه و اناره بلمبه كهربائيه كان قد اشتراه من خان الخليلى و فرح به يحيى و استغنى عن الفوانيس المزعجه التى تغنى و ترقص و فرح جدا بهذا الفانوس الكبير الذى يفوق حجمه كل الفوانيس التى اشتراها فى حياته و التى قامت سارة باخراجها من الخزنه بداخل سريره و تركيب بطاريات لها فعادت كالجديده
و جلست الاسره الصغيره الى المائده ساعة السحور و النوم فى عينى يحيى يذكر عمر بنفسه و هو طفل، و يتامل مريم و قد قامت معهم حين سمعتهم، و الكل يتناول سحوره، ياه، تلك اللحظات لا ينساها ابداً، و تذكر والده و ترحم عليه، حين كان يجبرهم على السحور برغم تبرمهم جميعاً و رغبتهم الشديده فى العوده للنوم، لكن والده كان يصر على السحور حتى يفيق الابناء و يستطيعون اداء صلاة الفجر
و صلى اهل البيت الفجر جماعه، امهم فيها عمر، و حتى يحيى توضـأ للصلاه بعد ان قرر ان يصوم لاول مره فى حياته، لكن الى منتصف اليوم فقط كتدريب له
و فى المدرسه دخلت سارة الفصل لتفاجـأ باحدى التلميذات تسألها:
حاتتفرجى على مسلسل يسرا يا ميس، ولا مسلسل حنان ترك، ده حاييجى على دبي ساعة الفطار، ده اسمه على اسم حضرتك، اسمه سارة
التفتت سارة للطفله و طلبت اليهم كلهم الجلوس و الاستماع اليها و سالتهم
سارة: كل سنه و انتم طيبين يا حبايبى، هو رمضان بييجى كام مره فى السنه
رد الاطفال: مره واحده يا ميس
سارة: و الحاجه اللى بتيجى مره واحده دى لازم نستفيد منها ولا ما نستفيدش؟
ردت احدى التلميذات: ما احنا بنستفيد يا ميس، ده احلى شهر فى السنه، بييجى فيه بكار و ظاظا، و انا بحب كمان تامر و شوقيه
سارة: طيب ما المسلسلات دى طول السنه مش زى رمضان اللى بييجى مره واحده
ردت الطفله: بس عمرهم ما بييجو فى وقت واحد كده بييجو متفرقين
سارة: طيب يا حبايبى هما بييجو تانى لكن رمضان لو راح من غير ما نستفيد منه مش حايرجع تانى، و المطلوب منا فى رمضان مش الفرجه ع التلفزيون، لا، مطلوب نعبد ربنا اكتر و نقرب منه اكتر
قام طفل من مكانه و قال: بس انا مش عارف يا ميس ليه بيختاروا شهر رمضان بالذات و يعملوا فيه المسلسلات دى، ده ظلم و الله، ما يختاروا شهر تانى
ردت سارة باسمه: تصدق يا شادى انا بسال نفسى السؤال ده كتير اوى، اشمعنى فى رمضان، ما يعملوا الكلام ده فى فبراير مثلا، يعنى فوازير فبراير و مسلسلات فبراير و كده ليه دايماً رمضان؟ و بعدين اكتشفت ليه
ضحك شادى و باقى الاطفال و سالوا: ليه يا ميس
سارة: عشان ده اختبار اكبر للمسلمين، يمكن ربنا ساب المسلسلات تزيد كده عشان يشوف مين فينا اللى ايمانه اقوى، و اللى يقدر على انه يتحكم فى نفسه و يسيب كل ده و يحب ربنا اكتر منه، انا مش باقول ما تتفرجوش خالص، لا طبعاً، بس كل واحد ينقى حاجه او حاجتين بيحبهم و يتابعهم كل يوم، و حتى نقول لماما و بابا كده عشان يساعدونا، و نحاول نقعد مع عيلتنا و نتكلم عن الدين و عن ربنا سبحانه و تعالى و نصلى، و نقرأ القران و ممكن نروح مع ماما او بابا صلاة التراويح فى الجامع
انا حاعملكم مسابقه النهارده
و اخرجت سارة لوحه كبيره عكفت اياماً عليها تحتوى على اسم كل طالب و امامه ثلاثون خانه فارغه على شكل جدول كبير
و قالت: كل واحد فيكم شايف اسمه، حنحاول نقرا قران كلنا على قد ما نقدر، و كل ما نخلص جزء، نعلم علامه عليه قدام الاسم، و نشوف مين فينا قدر يكسب و يختم القران كله الاول، ايه رايكم، و دى ممكن نعملها كل شهر مش بس فى رمضان، انتم معظمكم صايمين و فى البريك مش حاتاكلوا، ممكن نبدا من النهارده، خلال البريك حانقعد فى الفصل عشان الحر و كل واحد معاه مصحف و نقرا على قد ما نقدر و نكمل فى البيت، و بكره كل واحد فيكم يجيب معاه مصحف خاص به من اللى فيه علامه بداخله عشان كل واحد يعرف هو قرا لحد فين
هلل التلاميذ فرحين، و قرروا ان يبدأوا من اليوم، و فى اثناء رحلة العوده من المدرسه، كان حديث الطلبه مع بعضهم فى الباص عن المسلسلات، لكن تلاميذ فصول سارة كانوا منشغلين اكثر بالمسابقه و بالوقت المناسب لقراءة القران بحيث يتسلون اثناء الصيام فتمر ساعاته بسرعه
فى ذلك اليوم احست سارة انها ليست مجرد معلمه، احست انها صاحبة رساله، و ان الله تعالى سيظل معها و سيجازيها خيراً عما صنعت، صحيح انها ليست مدرسة تربيه دينيه، لكن الدين ليس مجرد جزء من منهج تعليمى بل هو اسلوب حياه
و خرجت سارة مع العائله للافطار عند والدتها فى ذلك اليوم، و وصلوا مبكراً للمساعده فى تحضير الطعام
رن جرس الهاتف قبل الافطار بقليل
ردت ام سارة: ايوه يا اسراء يا حبيبتى كل سنه و انت طيبه
ثم بدات فى البكاء كالعاده
اخذت منها سارة السماعه: ايوه يا اسراء كان نفسنا تكونى معانا يا حبيبتى
ثم لاحظت سارة اختناق صوت شقيقتها بطريقة غريبه فقالت: مالك يا اسراء انت عيانه
اسراء: لا يا سارة انا مخنوقه و تعبانه اوى، انا عاوزه انزل مصر يا سارة
سارة: ده انت لسه ماشيه ما كملتيش شهرين يا حبيبتى
اسراء: انا عايزه اجى اولد فى مصر، ما حدش هنا يخدمنى ولا ياخد باله منى
سارة: طيب يا حبيبتى انت فين و الولاده فين ده لسه كام شهر
اسراء: ماهو حازم رافض المبدا من اساسه يا سارة، عاوزنى افضل هنا عشان ما اخدش اجازه من الشغل الا على قد الوضع بس، لكن لو سافرت من قبلها حاضطر انى اسيب الشغل و ده طبعا مستحيل بالنسبه له عشان خطته و جدوله الزمنى، وانا تعبانه اوى يا سارة، عاوزاكم جنبى، انا كارهه الغربه، كل حاجه بتلمع و منوره، لكن بلد من غير قلب، انا عاوزه ارجع اولد فى مصر، عاوزه ماما .. محتاجاها
0 التعليقات:
إرسال تعليق